وجهة نظر موظف مخضرم حول فساد الإدارة الليبية
بقلم الحاج سالم عبد اللطيف/ متقاعد
المقدمات
بعد الإطلاع على التقرير القيم الذي أعده فريق الشفافية بعنوان "الثورة الإدارية، أساس الفساد الإداري في ليبيا" وبعد التمعن في بعض محتوياته أحسست أن التقرير ينقصه شئ ما ، ويحتاج إلى إضافات من داخل المعمعة، خاصة أنه اعتمد كثيرا على الأبحاث النظرية التى أعدها الأساتذة الأكاديميين المتخصصين والذين أجادوا في ما قدموه من معلومات وفي تحليلاتهم لها.
أحببت أن أقدم مداخلة على هذا التقرير من زاوية مختلفة تماما وهي الزاوية التي ينظر بها الموظف الإداري الذي يعمل في "حفرة" الإدارة الليبية، ويتعامل مع مظاهر الفساد بشكل يومي ويعاني منها "نفسيا" بصورة لا يتصورها إلا من له تجربة بالواقع المزري التي تمر به الإدارة الليبية منذ أربعة عقود تقريبا.
أتفق مع التقرير في أن الفساد الإداري هو جزء لا يتجزأ من الفساد السياسي والإقتصادي والإجتماعي ولكن الفساد الإداري هو ـ في تقديري ـ أخطر أنواع الفساد، فإذا قلنا أن الفساد السياسي هو أبو الفساد فإن الفساد الإداري هي أم الفساد في ليبيا.
وهنا نضع خطوط عديدة تحت ربطنا للفساد الإداري بالأم حيث أن التجربة الطويلة علمتنا أن فساد الإدارة في الدولة لها نفس الآثار السلبية المدمرة كفساد الأم في الأسرة والمجتمع، فحينما تفسد الإدارة في الدولة يفسد كل من الدولة والمجتمع.
ولنقدم تعريفا مبسطا للفساد الإداري الذي يلامسه الموظف العام في ليبيا. فهو يتمثل في كل تصرف غير قانوني أو تعقيد إجرائي غير ضروري أو كل خطأ مقصود يؤدي إلى أي قدر من الإنحراف عن المسار الصحيح لتحقيق الهدف الأكبر للإدارة في تقديم أفضل الخدمات للمواطن وبخاصة الخدمات الأساسية.
هذا التعريف يضح العربة أمام الحصان، ويجعل المسؤولية فردية وجماعية في آن واحد، فالكل مدير والكل مسؤول عن إدارته (من البواب والمباشر إلى السواق والقهوجي إلى المدير ونائبه إلى الأمين ونائبه وفي أي مستوى ثم في النهاية الماء يصب كله عند المدير الأكبر وهو الذي يلقب بالقائد ولا يمكن لأي أحد من هؤلاء أن يتهرب من هذه المسؤولية مهما كان موقعه تنفيذيا إو تشريعيا أو استشاريا أو ثوريا، ومن لا يستطع تحمل هذه المسؤولية عليه أن يبقي في ييته ولو كان قائدا لما يسمى بالثورة)
إذا تحقق الفساد في أي حلقة من حلقات هذه السلسلة ومن أي موظف وعلى أي مستوى فإن ذلك هو انعكاس حقيقي لتدني مستوى الأخلاق لدى ذلك الموظف ولدى مسؤوليه في المؤسسة التي يعمل بها، وهو أيضا انعكاس لهبوط مدى الكفاءة والنزاهة في إدارة تلك المؤسسة، خاصة إذا كان العمل الفاسد هو من النوع الذي يغلب المصلحة الخاصة على المصلحة العامة . فذلك الموظف الفاسد هو مجرم حقيقي في حق الله و الوطن وأبناء الوطن وأجياله القادمة.
الأسباب
إذا أردنا أن نضع تعريفا خاصا بالحالة الليبية لظاهرة الفساد الإداري، فعلينا أن نستعمل مفردات واضحة ومستوحاة من واقع معايشتنا لتدهور الأوضاع (كلها) في البلاد منذ الأشهر الأولى للإنقلاب، وإن كان من الصعب تحديد مرحلة تاريخية معينة (كما فعل فريق الشفافية الذين اختاروا أن يرجعوا الفساد الإداري إلى خطاب زواره، وهو أمر فيه الكثير من الوجاهة ولكن فيه أيضا كثير من التبسيط(.
بدايات الفساد في الإدارة الليبية كانت لنفس الأسباب السياسية والإقتصادية والإجتماعية التي مرت بها كل المجتمعات التي عاشت تحت وطأة الإستبداد والدكتاتورية. غير أن التطور السلبي التي شهدته الإدارة الليبية والسرعة التي تدهورت بها الأمور يعود في الأساس إلى عدم وجود نظام أصلا. أي أن ألفوضي السياسية والإقتصادية والتعليمية و و و كانت بالضرورة من أكبر العوامل في وجود وانتشار الفوضى الإدارية. فلم يكن هناك نظام عام في السياسة والإدارة والإجتماع والإقتصاد كان يمكن الرجوع إليه والتغذي منه لتصحيح بدايات الفساد في الإدارة الليبية، الأمر فوضى في كل شؤون البلاد منذ خطاب زوارة وهنا على أن أقر بأنني أتفق مع ما طرحه فريق الشفافية في تقريرهم عن الفساد الإداري وربطه بمرحلة زمنية معينة هي بداية "الثورة الإدارية" في خطاب زوارة اللعين. ولكن الأمر لم يتوقف عند المظاهر العامة التي يفرزها الفساد الإداري المتعارف عليها في التجارب المختلفة، الذي حدث في ليبيا هو انهيار كامل للنظام أي غياب كامل لدولة المؤسسات (الدستورية والسياسية والإقتصادية) ولعلي أذكر تلك الأيام التي عشناها في مكاتبنا ونحن نعيش تحت التهديد المستمر بالإقصاء والتهميش الوظيفي وأيضا للسجن والتعذيب بسبب كلمة تقال هنا أو وشاية من هناك أو ترددا في تنفيذ قرار من القرارات الثورية غير المدروسة والتي كنا نعلم مدى خطورتها على استقرار الدولة وتطور مؤسساتها.
الزحف الثوري .. استهدف الإدارة لأنها أهم وأضعف الحلقات
عقب إعلان (الثورة الإدارية) في خطاب زوارة اللعين وتوالت الشعارات الثورية التي تدعو إلى "الإدارة الشعبية" ومحاربة البيروقراطية، فطغت على الساحات شعارات "الإدارة الطلابية" ، و "الشركاء لا أجراء" و "الإدارة الذاتية" و "الجمهرة" واكتسحت الهجمة "الثورية" كل شئ في الدولة يمكن إدارته ليصبح مستهدفا من قبل "الزحف الثوري" الغاضب. فالزحف الذي استهدف الجهاز الإداري شمل كل القطاعات التنفيذية والمؤسسات التعليمية والصحية والشركات الإنتاجية بما فيها القطاعات الاستراتيجية كالنفط والمصارف.
النتائج الأولى التي ترتبت على "الثورة الإدارية" هو الإهمال .. إهمال الإدارة بكل جزيئاتها بحيث لم تعد هناك واجبات ومسؤوليات إدارية يمكن متباعتها وتقييمها ، فالموظف يدخل مكتبه وليس أمامه "خطة" لإنهاز مهامه الإدارية ، فقائمة الأعمال الإدارية المطلوبة غير متوفرة وهو لا يعلم أن تتجه إدارته، والمدير لم يعد قادرا على توجيه موظفيه ومتابعة نشاطهم الإداري حيث أصبحت الأمور في تغير مستمر وبدون خطة عامة يمكن متابعتها وتقييم من أهداف .. فكل يوم وظيفي هو يوم جديد .. يحدث فيه من التغييرات الإدارية ومن المفاجآت ما يعجز المرء عن وصفه ..
وما أن بدأت عمليات التصعيد الثوري تقتحم المؤسسات الإدارية حتى بدأت الإدارة الليبية في الإنهيار المتواصل وتحضرني عدة مواقف كانت في غاية الغرابة والاستهجان في البداية ولكن سرعان ما أصبحت معتادة بل متوقعة ..
فليس غريبا أن تدخل مكتبك لتجد أمامك منشورا "ثوريا" بتصعيد "شخص" غريب الشكل والمضمون ليكون مديرك .. ومأ أن تستفسر عنه حتى يتبين لك أنه لا يملك أي تجربة إدارية وخاصة في القطاع الذي تعمل فيه، بل جئي به من خارج الهيكل الوظيفي العام ولم تكن له أي وظيفة إدارية ولا علم له بطبيعة العمل الإداري في أي مؤسسة.
وليس غريبا أن تأتي في اليوم التالي لتجد أن "المدير الثوري" قد جلب معه عدد من الاشخاص الغرباء من أقربائه أو معارفه لكي يعينوه في "مهمته الثورية" وقام بتوزيعهم على أهم الوظائف في المؤسسة التي تعمل بها .. وقد تكتشف أنك فقدت وظيفتك وتم تحويلك إلى قاع السلم الإداري وفي مستوى وظيفي كنت أنت بدأت به منذ سنوات طويلة..
وليس غريبا أن تسمع بأن موظفا مخضرما من ذوي الخبرات الطويلة ومن العناصر المشهود لها بالنزاهة قم أقصائها وأخراجها من دائرة القيادات الإدارية وإجبارها على التقاعد المبكر أو الإحالة إلى مواقع نائية باسلوب تعسفي لا يمكن تبريره.
وليس غريبا أن تدعى لحضور اجتماع يديره "المدير الثوري" لتجد نفسك فيما يشبه المحاكمة للقيادات الإدارية التي كنت تعمل تحت إمرتها سنوات طويلة وكانت مثالا للكفاءة والمهنية والأخلاق العالية، وتسمع إلى صحيفة الإتهام التي اعتمدت على مواد ما عرف آنذاك بـ "التطهير الإدراي" وتكتشف أن الهدف الأساسي من تلك المحاكمة غير القانونية هو الضغط عليك وتهديدك وبقية الموظفين من أجل تمكين المدير الثوري المصعد من السيطرة على المؤسسة وفرضت إرادته وهيمنته وإحكام قبضته على العاملين في المؤسسة.
من نتائج ذلك المناخ القمعي وجد الموظف الوطني الليبي نفسه في مواجهة مستمرة مع الإستبداد والقمع والعنف الثوري في نفس المكتب الذي يعمل فيه، وخاصة في أيام المناسبات الثورية التي كانت لا تعد ولا تحصي، بل أن مسار اليوم الوظيفي كان في بعض الأحيان يتحول بدون مقدمات من مسار روتيني إلى مسيرة ثورية لمدة ساعات من الهيجان والصراخ والهمجية.
هذا المناخ الإداري الذي ساد في مؤسسات الإدرية الليبية لمدة سنوات أوجد حالة من العزلة بين الموظف وإدارة المؤسسة التي يعمل بها بل بين الموظف وزميله في المؤسسة، بل لم يعد الموظف المسؤول على عدد الموظفين قادرا على حسن إدارتهم ، فعندما يكون الموظف التي يعمل تحت إدارتك "ثوريا" وقد فرضت عليك ترقيته أكثر من مرة بدون أية مسوغات تنظيمية أو فنية، فكيف يمكنك تصحيح أخطائه أو معاقبته بسببها أو تنبيهه لتقصيره وتضييع وقت الإدارة وانعدام انتاجيته في عمله، بل أنك لا تستطيع أن تنصحه كمدير له، فالغياب المتكرر أو الخروج من المؤسسة بدون مبرر أو قلة الأدب في التعامل مع بقية الموظفين وغيرها من الأمور التي تحدث بشكل يومي وتأثر بشكل سلبي على سير العمل في الإدارة، كلها كانت تبرر بمنطق "الكذب الثوري" والاستعداد الكامل لـ "الوشاية الثورية" ضدك بل والإنتقام منك بـ "العنف الثوري" بحيث من السهل تصنيفك على أنك رجعي وغير ثوري وضد الثورة وغيرها من الأوصاف التي ترتب عليها في أحيان كثير فقدان عناصر إدارية كفؤة ومخلصة ونظيفة وذات خبرة إدارية رائعة.
لقد اجتمعت كل هذه الأسباب وغيرها لكي تصل بالجهاز الإداري إلى مستوى العجر الكامل عن أداء وضيفته الأساسية وهي تنفيذ السياسات العام في مختلف الأنشطة بهدف خدمة المجتمع وحل مشاكله الإقتصادية والاجتماعية والبيئية والتعليمية والصحية.
ختاما لابد من الإشارة إلى أن هناك أسباب ثانوية أخرى ساهمت في تفشي ظاهرة الفساد عموما وخاصة الفساد الإداري الذي نحن بصدد الحديث عنه، وفي المقالة التالية سأتناول نماذج لمظاهر الفساد الإداري من واقع المناخ الإداري الذي ذكرناه.
المظاهر
علينا أن نقر في البداية بأن مفهوم الفساد الإداري واسع جدا ويشمل كل إساءة لاستعمال السلطة العامة أو الوظيفة العامة بأي طريقة تهدف إلى الكسب الخاص بشكل غير مشروع وتحقيق أغراض شخصية مستندة إلى الوساطة والمحسوبية والعلاقات الأسرية والقبلية والاجتماعية كالصداقة والجيرة والنسبة..
هذا المفهوم لا زال ناقصا في الحالة الليبية التي تطورت وتعقدت بشكل غير مسبوق، ولذلك قد نكتشف أن التعريف المنطقي الذي يتناسب مع الحالة الليبية يجعل الغالبية الساحقة من المسؤولين والموظفين والعاملين في الإدارة العامة، وجميع من يتعامل مع الإدارة العامة يقع ضمن المشاركين في الفساد الإداري .. والإستثناء هنا لا يعتد به حيث نسبة الذين يرفضون المساهمة في هذه الجريمة قليلة جدا ولا تذكر..
فالفساد في الإدارة الليبية تجاوز كل العلاقات التقليدية إلى علاقات الجريمة المنظمة.
لم يعد الفساد الإداري مجرد وصف لسلبية البيروقراطية، ولم يعد الأمر محصورا في هدر الوقت العام، وضعف الإلتزام بأوقات الدوام الرسمية كعدم احترام أوقات ومواعيد العمل في الحضور والإنصراف، إو إضاعة الوقت في قراءة الجرائد واستقبال الأصدقاء في مكان العمل لشرب القهوة و "الشاهي" وأشياء أخرى، أو الغياب الكامل وعدم الحضور لمكان العمل بدون عذر أو الإمتناع عن أداء العمل أو التراخي والتكاسل فيه وعدم تحمل السؤولية بمبررات واهية كالمشاركة في المسيرات الثورية أو في الأجتماعات والأعمال الثورية الأخرى. بل أن جريمة الفساد الإداري في ليبيا تفشت في مفاصل الإدارة الليبية منذ مهزلة التدريب العسكري الإجباري للعمال والموظفين.
الأمر تجاوز مجرد استخدام قرطاسية الإدارة للإستعمال الشخصي أو استخدام الأجهزة والمعدات العامة وسيارة الإدارة لإنجاز الأعمال الخاصة، وإفشاء أسرار الوظيفة وما يحدث داخل المؤسسة العامة لكل من هب ودب..
لم تعد الرشوة محصورة في استلام الموظف دنانير قليلة لتحسين وضعه المادي مقابل انجازه معاملة إدارية قانونية يفترض أن يؤديها دون مقابل، ولم تعد الرشوة عبارة عن مكرمة أو هدية من مواطن ميسور الحال إلى الموظف بسبب سرعة وحسن أدائه وإعانة المواطن على قضاء حاجاته الإدارية، بل أن الرشوة أصبحة مقننة ولها تسعيرة معروفة وكل شئ بثمنه .. فلم تعد الدنانير المعدودة تقضي معاملة مالية في أي مؤسسة إدارية .. ولم تعد الرشوة أمرا يقرره الراشي وحسب استطاعته المالية بل أصبحت معاملة تجارية يتم الإتفاق عليها مسبقا ولها طقوس استلام وتسليم ينبغي على المواطن الذي يضطر لدفعها أن يتعلم تسعيرتها وطقوسها حتى يتمكن من (المساومة) أي التفاوض بشأنها مثلها مثل مساومته لشراء أي من حاجاته الضرورية من السوق..
لم يعد التزوير مجرد التوقيع في ملفات الحضور والغياب بالنيابة عن الزملاء الذين لم يحضروا لأداء أعمالهم، أو التزوير بالتوقيع على أوراق رسمية للحصول على الإعفاء من التجنيد أو إصدار أكثر من جواز سفر بأسماء مختلفة أو إصدارها بأسماء وهمية أو لأشخاص متوفين، بل أن الأمر وصل إلى آلاف الأشخاص يستلمون رواتب شهرية لسنوات طويلة وهم إما أطفال قصر أو موتى
لم يعد الأمر مجرد التساهل في عدم استيفاء الشروط عند تعيين موظفين جدد في الإدارة، أو تعيين الأقارب أو الأصدقاء في مناصب إدارية لا تتناسب مع مؤهلاتهم العلمية ، بل الأمر تطور إلى تعيين أشخاص في مواقع إدارية محددة (يعرفون بالمغارف) من خلال خطة معدة مسبقة لكي تتمكن المجموعة المنظمة عبر (المغارف) لتمرير عقود مخالفة للقوانين أو التلاعب بالنظم القانونية والإدارية من أجل اختلاس أكبر كمية من الأموال في شكل عمولات وهبات يشترك فيها عدد من الأشخاص المتورطين في المجموعة المنظمة التي تشرف على تلك الجريمة.
لم يعد الأمر مجرد عرقلة بعض الإجراءات أو المعاملات الإدارية بسبب التكاسل أو الإهمال أو عدم الكفاءة، ولكن الفساد الإداري والإنحراف الأخلاقي وصل بكبار الموظفين إلى عرقلة مشاريع عامة تقدر بملايين الدولارات بهدف الإبتزاز والحصول على رشاوي كبيرة من الشركات المنفذة، ناهيك عن بيع أملاك وأراضي الدولة لتحقيق أغراض شخصية بأثمان زهيدة.
لم يعد الفساد مجرد انتهاك الموظف للقانون دون قصد سئ بسبب الإهمال واللامبالاة، أو استلام معدات أو أجهزة بمواصفات غير مطابقة لنص العقد، بل تطور الأمر إلى سرقة قيمة عقد انشاء مقر حكومي ثم سرقة أموال صيانته لسنوات قبل أن الإنتهاء من بنائه.
لم يعد الفساد الإداري مجرد مخالفات للنظم الإدارية والوظيفية تصدر عن موظف يعمل في بلدية أو إدارة فرعية، بل الأمر وصل إلى انتهاك التشريعات والقوانين من قبل قيادات ومدراء إدارات وأمناء أمانات وشعبيات على مستوى أهم القطاعات كالنفط والتعليم والصحة والأقتصاد والخدمات.
مظاهر الفساد والإنحراف في الإدارة الليبية تشمل انتهاك لنظم المالية التي تحكم سير النشاط الإداري في مؤسسات الدولة، ويبرز ذلك في الإنفاق المبالغ فيه على الأثاث والمعدات غير الضرورية ، وكذلك رفع القيادات لرواتبهم وأجور العاملين معهم ومرافقيهم من دون حاجة حقيقية، فضلا عن استخدام السيارات الحكومية بسائقيها في الأغراض الشخصية جدا كوسائل نقل للأولد للمدارس الخاصة والأسواق وأماكن الترفيه والشواطئ ناهيك عن استعمال العناصر الإجنبية كالخدم وغيرهم من ذوي الكلفة العالية .
هذه بعض المظاهر التي تترسخ في الذهن عند الحديث عن الفساد الإداري في المؤسسات الحكومة من خلال مشاهدة وتجربة شخصية لسنوات طويلة جدا.
الآثار الفاسدة
الآثار الفاسدة المترتبة على الفساد الإداري سيئة وكثيرة جدا وانعكاساتها مدمرة لمقومات الحياة العملية في الإدارة الليبية، فآثار الفساد والتخريب للإدارة العامة مدمرة ليس على المستوى الاقتصادي والمالي فحسب، بل في المجالات السياسية والاجتماعية والثقافية، ناهيك عن التدهور الخطير في مؤسسات ودوائر الخدمات العامة المتصلة بحياة المواطنين.
فليس لأحد أن ينفي جملة النتائج السلبية التي كانت سببا مباشرا لدمار الإدارة الليبية ، فضياع الاموال والثروات ، وضياع الوقت الثمين ، والطاقات النادرة وعرقلة مسيرة تطور الإداء الحكومي وإنجاز الوظائف والخدمات العامة كلها من أثار الفساد الإدارة الليبية بدون منازع.
ارتبط الفساد أيضا بسوء حالة توزيع الدخل والثروة، وكان ذلك واضحا من خلال ألإثراء الفاحش لفئة المستغلين من أصحاب النفوذ لمواقعهم المميزة من السلطة الحاكمة ، وقد استأثروا بالجانب الاكبر من المنافع الأٌقتصادية وخاصة في زمن ما يسمى بالحصار، بالإظافة إلى قدرتهم على تراكم الثروة بصفة مستمرة في زمن الإنفتاح مما أدى إلى توسيع الهوة بين هذه الفئة الفاسدة وبين بقين فئات الشعب الليبي.
أما على مستوى برامج التنمية المستدامة فإن الفساد الإداري هو السبب الرئيسي وراء تحول معظم الأموال المخصصة لبرامج التنمية لمصلحة أشخاص معينين من خلال استغلال مراكزهم من مركز السلطة والثروة (القائد وأبنائه) أو الصلاحيات المخولة لهم بدون أية مبررات منطقية أو قانونية اللهم إلا أنهم من المقربين من مركز السلطة والثروة..
كل ذلك أدى إلى عرقلة مشاريع التنمية وانعكس ذلك على كل مجالات الحياة بما فيها الخسارة الكبيرة للثروة الوطنية وإهدار الوقت وضياع فرص نادرة للتقدم والنمو والإزدهار.
على الجانب الإقتصادي فقد تدنت كفاءة الإقتصاد الوطني وضعف النمو الإقتصادي بشكل كبير، ومن المعروف أن النشاط الإقتصادي مرهون بفساد الإدارة، وإذا ما تفشى الفساد الإداري في أي منشأة أقتصادية، فإن ذلك نذير بإفلاس تلك المنشأة وانهيارها، فما بالك بدولة اقتصادها ريعي ويعتمد بشكل سافر على منتج واحد وهو النفط وذلك ما يسهل كل أنواع الأختلاسات والرشاوي وهو أيضا يعود إلى فساد الإدارة العامة.
فمن الظواهر التي انتشرت في الإدارات العامة، تفاقم الغش والتدليس في الدراسات الاقتصادية الدورية، وهي دراسات ضروروية قبل الإقدام على أي مشروع تربوي أو تعليمي أو أقتصادي أو تنموي. تلك الدراسات عادة ما تسند إلى عناصر تفتقد إلى الإخلاص والنزاهة والكفاءة وبالتالي جاءت خلاصاتها منافية للواقع وبنيت عليها مشاريع فاشلة منذ بدايتها مما أدى إلى انهيار المؤسسة العامة.
على الجانب الآخر تفشت بسبب الفساد الإداري ظاهرة عدم اتقان العمل، فأهملت معايير الجودة في الإنتاج ، وتم تجاهل العيوب البارزة في السلع والخدمات المنتجة، وبذلك تشوهت صورة المنتج الوطني وبالتالي كان من المستحيل أن يتمكن المنتج المحلي من منافسة أي منتج مستورد من الخارج بما فيها المنتجات التي تستورد من دول عربية أفقر من ليبيا. هذا وقد أثبتت الدراسات كما نبه العديد من الخبراء الوطنيين إلى أن هناك علاقة عكسية بين الفساد الإداري والقدرة التنافسية للاقتصاد الوطني بشكل عام.
أما بالنسبة للإستثمار العام فإن الفساد الإداري هو أحد العوامل الرئيسية لتدنى كفاءة الإستثمار العام وإضعاف الجودة في البنية التحتية العامة التي تحد بالطبع من الموارد المخصصة للإستثمار وتسيئ توجيهها أو تزيد من كلفتها.
حجم ونوعية الإستثمار الأجنبي أيضا يتأثر سلبا وأيجابا بأوضاع الإدارة العامة، ففي الوقت التي تسعى فيه كل البلدان وخاصة النامية إلى استقطاب موارد الإستثمار الأجنبي وخاصة في حالتنا التي نحتاج فيها إلى خبرات ومهارات المؤسسات الإستثمارية الأجنبية ، فإن الفساد الذي تفشي في الإدارة الليبية لا يصعب إخفاؤه على المستثمر الأجنبي صاحب الخبرة مع إدارات الدول النامية وبالتالي قوبلت محاولات الإستقطاب للموارد والخبرات الأجنبية بالتردد والتريث بل في بعض الأحيان التعطل الكامل مما أدى في بعض القطاعات (النفط مثلا) إلى تدني وتراجع مؤشرات التطوير والتحديث التقني لصناعة النفط الخام في ليبيا.
هذه الآثار السلبية أدت إلى أضرار كثيرة على عدالة النظام القانوني ونزاهة القضاء وكفاءة الأمن العام بل إلى انهيار الوضع الاجتماعي والثقافي في المجتمع.
من جهة أخرى تفشت ظاهرة انتشار اليأس وفقدان الشعور بالمسؤولية تجاه مصلحة الوطن بين المواطنين وانتشار حالة الإحباط والإتكال التي انعكست بدورها على الإبداع والإبتكار والتطوير.
الكلفة النهائية للمعاملات والسلع والخدمات العامة أصبحت أعلي من قدرة المواطن الشرائية فمن جهة ارتفعت الكلفة النهائية ومن جهة تردت جودة السلع والخدمات المقدمة، لا سيما أن دخل المواطن زاد في التدهور في ظل القانون رقم 15 سئ الذكر.
على مستوى مشاريع الدولة الكبرى فإن المصاب أكبر حيث تظهر في الواجهة وعلى الورق وفي نشرات الأخبار الدعائية بأنها مشاريع كبيرة وناجحة وذات فوائد جمة، إلا أن واقع الحال يعكس غير ذلك تماما، وما أن مرت سنوات حتى تبين أن جل المشاريع الزراعية والأٌقتصادية والتنموية والصناعية باءت بالفشل الذريع والخسارة الفادحة دون أن تقم الإدارة العامة بدراسة الأسباب وراء ذلك الفشل في كل المشاريع الكبرى. وبعد سنوات عديدة من اختفاء أخبار تلك المشاريع من صفحات الجرائد الخضراء والنشرات المسائية الدعائية تبين أن أغلبها قد أعد من قبل شريحة المنتفعين الذي حققوا ما يريدوه من منافع ومصالح على حساب المصلحة العامة، بل الأدهي من ذلك أن تلك الشريحة سعت بكل جدية لفشل تلك المشاريع حيث في فشلها تمكنت من أخفاء جرائمها في الإختلاسات والرشاوي والغش في الدراسات الإقتصادية التي بنت عليها تلك المشاريع، وكانت تلك الشريحة هو الرابح الوحيد من تلك الخسارة الفادحة للمشاريع الوطنية.
فقد برهنت الدراسات وأثبتت التجارب أن الفساد الداري يقلل من حجم هذه الستثمارات ويضعف من جودتا ف بناء وتعزيز القتصاد الوطن، بل انه قد يقود إل جعلها عبأ كبيا على موارد الدولة، بالضافة إل عزوف الستثمر الجنب عن الستثمار بسبب توفه من أضرار الفساد باستثماره.
المعالجات والخلاصات
الحاج سالم عبد اللطيف (متقاعد): قد لا نختلف عن مدى تفشي الفساد في الإدارة الليبية ولكن حتما سنختلف عن كيفية معالجة هذا الأمر ، فمنا من لا يتصور أن هناك ضرورة للتصدي للفساد في ظل النظام السياسي القائم، ومنا من يتصور أن مصيبة الفساد تحتاج إلى من يتصداها بغض النظر عن النظام السياسي الحاكم..
ولكن دعونا نتفق على أن هناك حاجة ماسة لترسيخ ثقافة النزاهة والشفافية في الدولة والمجتمع اللتان تعدان الضمان الحقيقي لبناء اقتصاد وطني تنموي تزدهر في ظله الحياة في المجتمع الليبي ويكون المستفيد الأكبر هو المواطن الليبي بغض النظر عن من يحكمه، فالأيام دول .. وحكام اليوم سيذهبون كما ذهب غيرهم في ذاكرة التاريخ ويبقى الوطن للأجيال القادمة ..
دعونا أيضا نتفق على أن المسؤولية تقع على عاتق جميع المواطنين ، وكفانا انتظارا لما ستقوم به أجهزة الدولة خاصة أن رموز الدولة والنظام هم من المستفيدين من تفشي ظاهرة الفساد ولا يهمهم مستقبل البلاد بعد أن ظمنوا مستقبل أولادهم وأولاد أولادهم لعدة أجيال حيث أن مجموع ما سرقوه وما هم مقدمون على سرقته من المال العام يكفي لعشرات السنين ويمكنهم التعايش مع أي نظام سياسي قادم .. بل لعل أكثرهم أعد العدة وجهاز كل أموره للخروج من البلاد والعيش في الخارج لينعم هو وأولاده وأسرهم بالأموال التي سرقوها من قوت الشعب الليبي المسكين..
وحيث أن المشكلة الرئيسية التي ستواجه أي برنامج للتصدي للفساد هو غياب الحد الأدني من ثقافة وسلوكيات النزاهة والشفافية في الدولة والمجتمع، لذلك ينبغي في البداية أن يرافق نشاط أجهزة النظام التي تريد أن تتصدى للفساد شفافية عالية جدا لتمكن المواطنين ومنظمات المجتمع الأهلي الذين يرغبون في المساهمة في هذه المهمة الوطنية من الإطلاع على الحقائق المتضمنة في ملفات الفساد المالي والإداري والمتعلقة برموز الفساد في الدولة لكي يتسنى مساءلتهم ومحاسبتهم.
إن العلاقة بين الشفافية والفساد هي علاقة تعاكسية فكلما نضجت وسائل الشفافية وأخذت دورها في كافة المجالات، كلما ارتفعت إمكانية محاربة الفساد والحد من آثاره المدمرة.
الفساد والمفسدون يستمدون قوتهم من الغموض والسرية وعدم الوضوح بمسائل الإدارة العامة وبإدارة المال العام في مؤسسات الدولة وأجهزة النظام.
هذه جملة من المقترحات التي أرى من تجربتي أنها ضرورية لمواجهة الفساد ومعالجة آثاره السيئة:
1_ البداية تكمن في إزالة المعوقات السياسية والقانونية المعرقلة لعملية محاسبة المشبوهين والمتورطين والمتهمين بممارسة الفساد الداري ، والذين يعتبرون رموزا للفساد.
2_ إصدار جملة من القرارات لتمييز حركة رموز الفساد في مؤسسات الدولة ومن ثم يمكن مراقبتهم وعزل ملفاتهم لمراجعتها وتقييم المخالفات المالية والإدارية التي ساهموا فيها، وتقديم من يثتبت تورطه في ممارسة الفساد إلى القضاء المستقل مع ضمانة نزاهة الإجراءات القضائية والقانونية عند مقاضاتهم.
3_ إصدار جملة من القرارات السيادية التي تفرض على موظفي الدولة الكبار من تقديم "إقرارات الشفافية" الخاصة بهم، وتقديم ما لديهم من معلومات متعلقة بعمليات مشبوهة في تشكل جزء من شبكة الفساد الإداري في الدولة.
4_ تشديد العقوبات المفروضة على مرتكبي جرائم الفساد الإداري لبعث رسالة واضحة من أن القيادة السياسة جادة في التصدي للفساد ومحاربته، وبالتالي يمكن تصبح تلك الحالات كأمثلة على وجود منظومة ردع في القطاعين الخاص والعام ترهيبا لكل من تسول له نفسه الإنزلاق في مطب الفساد.
5_ ضرورة رفع أجور ومرتبات العاملي في مؤسسات الدولة حتى يتمكن الموظف العام من توفير الحد الأدني من العيش الكريم وبالتالي لا يكون مضطرا إلى الإنزلاق إلى ممارسة الرشوة والأختلاس للمال العام.
6_ استقطاب العناصر الكفؤة والنظيفة من الكوادر المؤهلة في القطاع الخاص للعمل في مؤسسات الدولة بمرتبات مغرية وتنافسية مع الشركات الأجنبية ليتولوا إدارة المؤسسات والإدارات العامة، وبالتالي يتم التخلص من العناصر الفاسدة والمشبوهة في مؤسسات الدولة.
7_ البدء الفوري في وضع الأسس العملية لتبني أساليب الحكومة الألكترونية ـ بدء من مسائل المعاملات اليومية ـ لتضييق الهامش الذي يتحرك فيه الفاسدون والتقليل من احتكاك المواطن بالموظف العام وما قد يترتب عليه من إغراءات بتسهيل المعاملات والإجراءات مقابل الرشوة. فتبني وسائل تقنية عالية هي الضمان لتفعيل الأنظمة الحديثة ف حماية المال العام .
8_ إصلاح نظام المصارف الحكومية والسيطرة عليها لمنع سراق المال العام من الإستفادة من تلك المصارف للقيام يعمليات غسل الأموال وتهريبها بشكل قانوني.
9_ وضع سياسة إدارية عامة تقتضي بتدوير الموظفين والمسؤولين بشكل مستمر وخاصة الذين يعملون في مجالات حساسة كجهاز الرقابة وإداراة الضرائب لضمان منع إمكانية بناء بؤر فساد في شكل مجموعات منظمة يكون من الصعب القضاء عليها بعد تمكنها في نسيج الهيكل الإداري في تلك الأجهزة الحساسة. إن بقاء المسؤول الإداري في هذه الأجهزة فترة طويلة في موقعه يزيد من إمكانية تفشي الفساد ويقود إلى بناء شبكات الفساد الإداري التي تصبح بمثابة السرطان في جسد مؤسسات الدولة.
10_ تفعيل دور الأجهزة الرقابية والمحاسبية وتخويلها صلاحيات حقيقية وواسعة للقيام بعملية مسح للمؤسسات الإدارية وتقييمها من ناحية مدى ارتباطها بممارسات الفساد المالي والإداري. ومن أهم أعمالها بعد المرحلة الإبتدائية وضع أسس عملية للإستعلام المباشر والسريع وبشك دوري عن مصادر الثروة لدى كل المسؤولين لضمان عدم تكدس الاموال المحصلة من ممارسات غير قانونية.
11_ الحد من أسباب البيروقراطية الإدارية، والحد من الروتين الإداري في تسيير الاعمال والمعاملات وقضاء مصالح المواطنين، بحيث لا يلجأ المواطن ألى أساليب ملتوية لإنهاء معاملاته مع مؤسسات الدولة وتسيير أموره الخاصة وقضاء مصالحه المشروعة.
12_ وضع خطة وطنية عامة (سياسيا وإداريا وإعلاميا وتربويا ) للقيام بحملة توعية للمواطنين وتعريفهم بحقوقهم على الدولة وواجباتهم تجاه بلادهم فيما يتعلق بالفساد وخطورته على الإقتصاد الوطني ، ومن ثم توجيههم لإعانة مؤسسات الرقابة والمحاسبية والقضاء في محاصرة الفساد والمفسدين في الدولة وفي القطاع الخاص.
13_ إتخاذ إجراءات عملية لإشراك مؤسسات المجمتع المدني والمنظمات الأهلية والحقوقية في الحرب على الفساد وعمليات الإصلاح الإدراي كجزء من الإصلاح الشامل في الدولة.
14_ الإنفتاح على جهود وتجارب الدول التي خاضت تجربة التصدي للفساد والقضاء عليه أو الحد من تغوله في الدولة والمجتمع.
15_ عقد الأتفاقيات الدولية مع الدول ذات العلاقة بحيث يمكن منع مرتكبي جرائم الفساد في البلاد من توظيفها لتهريب الأموال وغسلها، أو للهجرة إليها ، وبالتالي يمكن استرجاع الأموال المهربة والمنهوبة من خزينة الدولة بالإظافة إلى إمكانية استرجاع الأشخاص أنفسهم لمقاضاتهم أمام القضاء الليبي المستقل.
وفي الختام .. يمكننا استخلاص جملة من الخلاصات منها ..
أن ممارسة الفساد عموما لا يمكن حصرها في سلوك غير قانوني من قبل أشخاص يعطون الأولوية لمصالحهم الخاصة قبل مصالح الوطن والمواطن، بل الفساد هو مرض عضال وظاهرة خطيرة تقود إلى انهيار الدول والمجتمعات، ولو استقبلنا من أمورنا ما استدبرنا لاخترنا أن نبقى على حالنا الذي كنا فيه نشتكي من البيروقراطية والروتين الإداري في الحكومة الملكية بدلا من مأساة الأربعة عقود من العنف الثوري والثورة المستمرة والتي أوصلت الأمور إلى ما وصلت إليه من فساد غير مسبوق في المجتمع الليبي.
إن الفساد الإداري هو البذرة الفاسدة التي نتجت عن زواج غير شرعي بين "الثورة الإدارية" و "الاستبداد السياسي" وبالتالي إذا وصف أحد تقارير الشفافية الفساد السياسي بـأنه "أبوالفساد" فإن الفساد الإداري ـ في تقديري ـ هو "أم الفساد" الذي أنجب كل أنواع الفساد الأخرى (المالي والإقتصادي والتعليمي والإعلامي والثقافي والإجتماعي) التي تفشت في جميع مجالات الحياة في المجتمع.
إن الإدارة العامة في ليبيا مؤبوة بالفساد والقوانين والأنظمة التي أوجدتها وخولتها كل الصلاحيات جاءت بسبب فساد القيادة السياسية وبالتالي ينبغي محاسبة الإدارة العامة والقيادة السياسية معا قبل الوصول إلى المفسدين في الدولة.
أن من أهم أساليب التصدي للفساد هو إعادة النظر في النظام السياسي والنظام الإداري القائم وإجراء عملية مراجعة شاملة لأنظمة الإدارة بهدف استحداث تنظيمات إدارية جديدة وإصدار النظم القانونية واللوائح اللازمة لذلك.
وكان الله في عون الوطن
مايو 2010