محمد العطار
تعرفنا في المقال السابق على أهمية الأهداف وتحقيقها كقيمة من قيم المؤسسة التي تسعى إلى إيجاد بيئة عمل فعالة، وفي هذا المقال نتعرف على قيمتي:
1. التكاتف.
2. مراعاة الموظفين.
أولًا ـ التكاتف:
في الوقت الحالي، أصبح الموظفون يكافئون على التعاون مع بعضهم البعض، وليس على التنافس والصراع، وذلك بخلاف ما كان موجودًا من قبل في منشآت الأعمال الأمريكية، إن هذا التجديد في بيئة العمل الحالية لأمر مدهش بحق.
وقد صاحب هذا التحول في السلطات والصلاحيات تغير جذري في الهيكل التنظيمي للعديد من الشركات، (فهذه الشركات قد أقلعت عن هيكل القطاعات الوظيفية التقليدية والذي كان يفصل الإدارات والأقسام عن بعضها البعض، وحلت فرق العمل محل هذه القطاعات، وتتألف هذه الفرق من موظفين من مختلف الإدارات والأقسام يعملون مع بعضهم البعض لأداء المهام ولتحقيق الأهداف المشتركة.
وبطبيعة الحال، ما تزال غالبية الشركات تنظم عملياتها بواسطة الأقسام والإدارات والقطاعات وما إلى ذلك، ولكن المديرين الأذكياء يشجعون الآن موظفيهم على تخطي جميع الحدود الفاصلة الرسمية).
ولقد أثمر هذا التكاتف فوائد عدة، من أهمها ما يلي:
1. خفض المنافسة غير المنتجة: إن دعم مناخ التعاون والعمل الجماعي يقلل احتمال زيادة التنافس بين موظفيك، فإذا لم تضع حدًا لازدياد المنافسة بين موظفيك؛ فسيؤدي ذلك إلى سد قنوات الاتصال بينهم، وسيقلل ذلك في النهاية من فعالية الشركة، فعند اشتعال المنافسة سيحرص الموظفون على بناء إقطاعياتهم الشخصية وعلى الدفاع عنها بضراوة.
2. تبادل المعلومات: المعرفة قوة، إذا كنت ممن يعرفون فإن لديك ميزة واضحة على من يجهلون؛ وبخاصة إذا كان إصبعك على المفتاح السليم، في مناخ التعاون في العمل، يعمل أعضاء الفريق معًا؛ وبالتالي يتبادلون ما لديهم من خبرات ومعارف.
3. دعم الاتصال: يساعد استخدام فرق العمل على إزالة الحوائط التي تفصل بين أقسام الشركة وقطاعاتها، مما يؤدي في النهاية إلى دعم الاتصال ونقل المعلومات بين وحدات الشركة.
4. تحقيق الأهداف المشتركة: إن إعداد الفرق التي تضم أعضاء من الأقسام المتعددة؛ يشجع العاملين من على اختلاف مستوياتهم الإدارية وأقسامهم العملية من أجل تحقيق هدف مشترك واحد.
5. تحقيق السعادة للأفراد: فعندما تشترك مع غيرك في الوصول إلى هدف مشترك، فإن هذا التكاتف والتعاون يثمر سعادة كبيرة ونشوة.
وهذه جملة من الإجراءات التي تكفل تحقيق التكاتف بشكل مثمر وفعال، ومن أهمها ما يلي:
أ. المشاركة الفعالة:
وضع أهداف المؤسسة والعمل على إشراك الآخرين في إنجازها, ومن هنا يقول دان زادرا: (اشترك مع شخصين أو أكثر في السعي وراء هدف مشترك، وسوف يمكنك تحقيق المزيد من الإنجازات بمقدار أقل من الجهد، معًا يمكننا تحقيق ما لا يستطيع أن يحققه أحدنا وحده).
ب. مناخ الثقة:
تخيل ـ عزيزي القارئ ـ لو انعدم جو الثقة بين الموظفين بعضهم ببعض، أو بين الموظفين من جهة والمديرين من جهة أخرى، هل يتصور أن يتمكن فريق العمل هذا ـ إن صح تسميته بذلك ـ من أن يتحرك ولو أمتار قليلة نحو هدفه؟! وإن تحرك فسيكون تحركه بطيئًا.
من هذا المنطلق يقول كوزس وبوسنر: (يجب أن تكون الثقة هي قلب التعاون, إنها تعتبر قضية مركزية في العلاقات الإنسانية داخل وخارج المؤسسات؛ فبدون الثقة لا يمكن أن تقود ولا يمكن أن تصنع الأشياء غير العادية, والأفراد الذين لا يستطيعون أن يثقوا في الآخرين لا يمكن أن يصبحوا قادة؛ وذلك لأنهم باختصار لا يستطيعون أن يتحملوا أن يكونوا معتمدين على كلمات وعمل الآخرين).
ت. وضع أهداف وأدوار تعاونية:
تمامًا كفريق كرة القدم، هو ليس فردًا واحدًا حتى وإن تمكن هذا الفرد الواحد من إحراز هدف الفوز، ولكن مجهود الفريق كله هو السبب في إحراز الهدف، ولذا كان التعاون بين فريق العمل عامل أساسي في وضع الأهداف وتنفيذها، فكما يقول كوزس وبوسنر: (لكي ينجح التعاون يجب أن تصمم المهام؛ لكي يسهم كل فرد بشيء فريد وغير مستقل عن النتيجة النهائية).
ث. مشاركة المعلومات والموارد:
وبعد أن تشارك فريق العمل في وضع الأهداف وفي تنفيذها، فلابد أن تقترن هذه المشاركة بمشاركة أخرى وهي التي يقول كوزس وبوسنر عنها: (إن الناس يدركون أن بإمكانهم إنجاز أهداف مشتركة تعاونية، عندما تقوم مؤسسات تبادل المنفعة بتشجيعهم على مشاركة المعلومات وتبادلها).
ج. إدارة العلاقات:
ولكن لا يمكن أن تترك الصلات والعلاقات بين الموظفين من دون إدارة تقويها، وفي نفس الوقت تعالج مشاكلها المحتملة، ولذا يقول تشاك مارتين: (إن إدارة العلاقات هي عامل حاسم في التعاون الناجح وفريق العمل الناجح).
ثانيًا ـ مراعاة الموظفين:
تعتبر قيمة مراعاة الموظفين ذات أهمية بالغة في أي مؤسسة, فإن مراعاة الموظفين شيء يجب وضعه في الاعتبار في أي شركة تريد النجاح؛ لأن الموظفين بمثابة القلب النابض لأي مؤسسة, فلك تتخيل إذا لم ترعى ذلك القلب، وتعتني به من أي ضرر؛ كيف سيكون حال المؤسسة؟!
يقول سليمان السلطان مدير قسم الموارد البشرية في شركة إيرنست: (بيئة العمل هي أهم العوامل لرفع الإنتاجية وتحسين الجودة، وهذا هو ما تصبو له كل المنشآت، حيث وضعت شركتنا هذا الهدف نصب عينيها، فحملت شعار (الموظف أولًا)؛ لكي تؤكد في بنائها الاستراتيجي أن القوى البشرية هي الأساس الذي نستمد منه قوانا كشركة).
وحتى تحافظ أي مؤسسة على قوتها البشرية نابضة وقوية، لابد من مراعاة ما يلي:
أولًا ـ صحة الموظفين:
يقول د.علي بن سليمان العنزي: (تفيد تقارير منظمة الصحة العالمية أن الأدوية تستأثر بأكثر من 50 في المائة من إنفاق الأسر في البلدان الفقيرة على الخدمات الصحية، بينما تتزايد تكاليف الأدوية والرعاية الصحية بمعدل 8-12 في المائة سنويًّا، وهذا يعتبر أعلى من ازدياد تكاليف المواد الاستهلاكية.
بالنسبة للموظف والعامل فلا تقل أهمية الأمن الصحي والحصول على الرعاية الصحية عن أهمية رغيف الخبز خاصة في ظل الارتفاع المتسارع للأدوية والرعاية الصحية.
من هذا المنطلق تكمن أهمية البحث عن الأمن الصحي والمؤسسة المناسبة التي تتكفل بالرعاية الصحية للموظف وأسرته؛ كي يتمكن من الإنتاج في عمله والإحساس بالأمن الصحي له ولأسرته ويركز جل تفكيره وطاقته في كيفية زيادة إنتاجيته، والنجاح في عمله، والارتقاء بجودة هذا العمل، وليس قضاء معظم الوقت والجهد والعلاقات في البحث عن سبيل للحصول على الرعاية الصحية اللازمة للموظف أو أحد أفراد أسرته.
تعتبر المؤسسات والشركات الأهلية، التي تقدم الرعاية الصحية للموظف ومن يعولهم مغرية للالتحاق بها أكثر من غيرها، حتى لو وجدت فروق مادية في الدخل.
البحث عن الأمن الصحي للموظف يفسر السبب وراء الالتحاق بالمؤسسات، التي تقدم الرعاية الصحية للموظف وعائلته، وحرص غالبية الموظفين على البحث عن هذه المميزات لدى المؤسسات والشركات، التي يرغبون العمل بها؛ كي لا يتحمل ماديًّا ونفسيًّا أعباء الرعاية الصحية وتكاليفها وهمومها، إن حصل لها احتياج في المستقبل).
وإليك مجموعة من الخطوات العملية للاهتمام بصحة الموظفين، ومن أهم تلك الخطوات ما يلي:
1. القيام بإجراء كشف طبي كامل للموظفين.
2. الحرص على متابعة صحة الموظفين أول بأول.
3. التأمين الصحي للموظفين وأسرهم.
4. عمل برامج صحية للموظفين:
كانت رابطة القلب الأميركية قد أطلقت في يناير الماضي برنامج باسم (إبدأ) أو (Start)، وهو حملة قومية تدعو جميع العمال والموظفين إلي تبني ثقافة الاهتمام بالصحة وبالنشاط البدني؛ بغية التمكن من العيش لمدة أطول، ومن خلال أمثلة عدة كالمشاركة في المشي, كنشاط بدني يُمارس طوال العام.
ومن أمثلة ذلك (ما فعلته دبي القابضة من إطلاق برنامج لتعزيز اللياقة البدنية للموظفين وقد تم تصميم البرنامج بحيث يعزز من مستوى الحياة الصحية للموظفين من خلال التحكم بالضغوطات والتوتر، وممارسة الأنشطة الرياضية، وإتباع برامج الحمية الغذائية.
ويعتمد البرنامج متعدد المستويات على الدورات التعليمية والتدخل المباشر في بعض الحالات لنشر الوعي الصحي، وتشجيع الموظفين على تعزيز لياقتهم الجسدية وتحفيزهم لتغيير أسلوب حياتهم، وخلق بيئة تدعم الممارسات الصحية وتمنع الإصابة بالأمراض والأضرار وتعزز القدرات الجسدية للموظفين).
5. التأكد من سلامة بيئة العمل:
وذلك لحماية أرواح الموظفين والحفاظ على صحتهم سليمة.
ثانيًا ـ تقديم خدمات للموظفين:
1. سيارات وسكن وقروض بدون فوائد:
من الأشياء التي تدل على رعاية الموظفين هي مساعدتهم ماديًا خاصة الموظفين المقبلين على الزواج وغيرهم, وتوفير الراحة للموظفين يعتبر أمر هام للغاية؛ وذلك من خلال توفير السكن المناسب لهم، والمواصلات التي ينتقلون بها إلى مكان العمل.
2. الاتصالات المجانية:
حيث تقوم بعض الشركات بتوفير خدمة DSL مجانية عالية السرعة للموظفين في منازلهم؛ ليتمكنوا من ممارسة عملهم في كل الأوقات دون الحاجة إلى الحضور إلى المكتب.
كما تقوم أيضًا بتوفير خط مجاني وجهاز هاتف جوال متصل بنظام البريد الإلكتروني الخاص بالشركة على مدار الساعة، وبذلك يستطيع الموظف أن يتابع بريده الإلكتروني، ويمارس عمله في كل وقت، وفي أي مكان حول العالم.
3. خدمات النقل الخاصة: سواءً للموظفين، أو لعائلاتهم.
ثالثًا ـ تشجيع الموظفين على التوازن بين العمل والحياة:
لاشك أن التوازن له الأثر البالغ على أي إنسان, والذي يعنينا هنا هو التوازن بين العمل ونواحي الحياة الأخرى والذي يمكن تحقيقه من خلال العمل عن بعد، حيث تتجه بعض الشركات في المملكة إلى العمل عن بعد, بمعنى إمكانية أن يؤدي الموظفون عملهم من منزلهم وذلك من أجل تحقيق التوازن بين العمل والأسرة.
رابعًا ـ الترفيه:
يعتبر الترفيه من الأشياء التي لا غنى عنها، وقد أصبح الترفيه ميزة التنافسية، تتنافس فيه الشركات لجذب الموظفين، ويمكن تطبيق الترفيه في الشركات من خلال:
1. توفير وجبات خفيفة ومرطبات.
2. صالات لممارسة الرياضة.
3. ممارسة الأنشطة الرياضية.
4. رحلات سياحية.
5. لعب البلياردو وغيره من الأنشطة الترفيهية.
خامسًا ـ الإجازات والراحات:
هناك طريقة أخرى عظيمة وغير مكلفة لمكافأة موظفيك، وذلك أن تمنحهم بعض الإجازات أو الراحات، ففي عالم الأعمال كثير المشغوليات في الوقت الحالي، أصبحت الإجازات مدفوعة الأجر سلعة متزايدة القيمة، فالناس يريدون قضاء وقت أطول مع أصدقائهم وأسرهم ووقت أقصر في مكاتبهم.
وبطبيعة الحال، يتمثل أثر تقليص أحجام الشركات في زيادة نصيب الجميع من الأعمال بدلًا من تقليلها، وسواءً كانت تقدم لموظفيك راحة لمدة ساعة أو إجازة لمدة يوم؛ فإنهم سيكونون مسرورين إذا خرجوا من مكاتبهم لفترة قصيرة للصيد أو للاسترخاء فحسب، وسوف يرجع موظفوك وقد جددوا نشاطهم، ولهذا يشعرون بالامتنان لتقديرك لجهودهم.
سادسًا ـ زيادة التكلفة المعيشية والبدلات:
من الأمور التي تندرج تحت مراعاة الموظفين هي زيادة البدلات والمنافع خاصة في حالة غلاء الأسعار وارتفاع المعيشة, والشركات السعودية دائمًا ما تكون سباقة في رعاية الموظفين.
وختامًا:
تعرفنا في هذه المقالة على قيمتي التكاتف ومراعاة الموظفين، وسنتعرف بإذن الله في المقالات القادمة على قيم أخرى من قيم المؤسسات الفعالة.
أهم مراجع:
1. الإدارة للمبتدئين، كين بلانشارد.
2. أفضل ما قيل عن الانتصار مع فرق العمل, كاثرين كارفيلاس.
3. القيادة تحد, كوزس بوسنر.
4. الإدارة الحازمة، تشاك مارتين.
5. الرعاية الصحية وأثرها على إنتاجية الموظف، د.علي بن سليمان العنزي، موقع الجمعية السعودية لطب الأسرة والمجتمع. www.ssfcm.org
6. موقع دبي القابضة www.dubaiholding.com
7. مقال بعنوان: (برامج صحية للموظفين والعاملين في الشركات) موقع جريدة الشرق الأوسط.
من موقع:
http://www.islammemo.cc/2010/04/22/98694.html
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق