لم يعرف في ليبيا نظام متكامل للتأمينات الإجتماعية ولم تستفيد
الطبقات العاملة من خدماته الشاملة الا حديثا وذالك بعد تطبيق مشروع التأمين
الإجتماعي الذي صدر بالقانون رقم 53/1957م وبدأ بتنفيذة
إعتبارا من 28 مارس 1959م.
ولكن ، حدث أثناء السيطرة الاستعمارية المباشرة من قبل
الإيطاليين أن استوطن ليبيا عدد كبير من رعايا إيطاليا ، حيث كان الهدف الرئيسي
للغزو الإيطالي هو بالدرجة الأولى الغضب والاستيطان على حساب المواطنين أبناء
البلاد ، وبالتالي أنتقل إلى ليبيا بعض أوجه النشاطات الاقتصادية والاجتماعية
متمثلة في فروع بعض المنشأت والهيئات الإيطالية المختلفة ، وذلك لغرض خدمة الأهداف
الاستعمارية وأبناء الجالية الإيطالية الكبيرة العدد.
1- فرع المؤسسة الوطنية للتأمين إصابة العمل (I.N.P.S).
2- فرع المؤسسة الوطنية للتأمين الاجتماعي (I.N.A.L).
3- فرع مؤسسة أفريقيا الإيطالية للترفيه الاجتماعي (L.S.A.L) .
فالأولى كانت تقوم بتقديم خدمات العناية الطبية والمساعدة
النقدية في حالات إصابات العمل لحوالي 000،22 من العمال اليدويين ، من بينهم نسبة
قليلة من الليبيين.
وتقدم الثانية مساعدة نقدية محددة في حالات الشيخوخة والعجز
وفقد العائل والبطالة ، وخدماتها مقصورة على المستخدمين غير الليبيين في منطقة
طرابلس فقط .
أما الثالثة ، فخدماتها مقصورة على حالتي المرض والولادة ، كما
تقدم مساعدات نقدية رمزية للعمال الوطنيين .
واستمرت نفس فروع المؤسسات الإيطالية هذه تؤدي خدمات التأمين
الاجتماعي بأنواعه المذكورة ، وبنفس المستوى والشمول والتغطيات بعد انتهاء الحرب
العالمية الثانية ودخول قوات الحلفاء إلى ليبيا ( بريطانيا إلى إقليمي برقة
وطرابلس ، وفرنسا إلى فزان ) عام 1943 ، ثم خلال ما سمى بحكم الإدارة البريطانية
للبلاد ، وهي الفترة التي استمرت حتى |أوائل عام 1952 ثم استمر تواجد فروع تلك
المؤسسات على نفس الشكل الموضح سابقا خلال الفترة الأولى بعد إعلان استقلال ليبيا وإلى
حين أصبح المشروع الليبي الجديد للتأمين الاجتماعي في حيز التنفيذ ، أي إلى مارس
عام 1959.
الوضع بعد إعلان الاستقلال
ودور الأمم المتحدة :
تضمن قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة القاضي باستقلال البلاد
في 24 ديسمبر عام 1951 التوصية التالية :
( على ليبيا وإيطاليا أن تنظم بإتقاقية خاصة الشروط التي أساسها
تلتزم منظمات التأمين الاجتماعي الإيطالية العامة منها والخاصة تجاه المواطنيين
الليبيين كما ينبغي أن تنتقل نسبة من الاحتياطات المتجمعة بواسطة المنظمات
المذكورة إلى منظمات مماثلة في ليبيا ) .
وقد كان من بين الإجراءات المالية التي
اتخذت من قبل الأمم المتحدة والتي تخص انتقال السلطة في ليبيا ، وضع برنامج إجرائي
لإحلال مشروع ليبي جديد للتأمين الاجتماعي بدل فروع المؤسسات الإيطالية العاملة في
البلاد في ذلك الوقت.
وساد رأي بين أوساط الأمم المتحدة حينذاك مفاده أن يغطي مثل ذلك
المشروع ، وكهدف نهائي نفس المخاطر التي كانت مشمولة من قبل بواسطة تلك الفروع
المذكورة ، غير أن الحكومة الليبية قد أعربت في حينه عن استيائها الشديد لوجود
التفرقة في المعاملة والغبن في التغطيات والتي كانت موجودة أصلا وتمس بحقوق
العاملين الليبيين في الحماية بصفة عامة ، وعلى وجه الخصوص في حالات المرض والعجز
والشيخوخة والوفاء والبطالة ، وذلك مقارنة بأقرانهم العمال الآخرين من ايطاليين
وأجانب.
ثم بدأت الحكومة الليبية ، بعد فترة قصيرة من إعلان الاستقلال
تفكر في كيفية مواجهة مشاكل البلاد الاقتصادية والاجتماعية تحت رعاية الأمم
المتحدة التي استهدفت مساعدة الدولة الجديدة في تدبير حاجياتها العديدة والمختلفة
، وفي استغلال موارد البلاد المحدودة ( البشرية والمادية ) بأحسن استخدام ممكن.
ونظراَ لضعف المركز الاقتصادي العام للبلاد في ذلك الوقت ، فإن
عملية البدء في إيجاد صيغة عملية موضوعية لتنفيذ تلك التوصية قد أضاف على حمل
البلاد الثقيل عبئاً جديداً ، حيث يصعب أعداد الدولة بأجهزتها البسيطة بالسرعة
اللازمة لتولي مسؤوليات إدارية متعددة الجوانب بدون أن تتلقى مساعدة أجنبية مالياً
وبشرياً.
وعلى العموم ، فقد كانت البلاد تعتمد بصفة شبه كلية على الدعم
المالي الأجنبي لتمويل ميزانيتها العامة لمواجهة المصروفات الجارية ، وكذلك الأمر
بالنسبة لبعض مشروعات التنمية المحدودة.
الوضع السكاني الجغرافي
للبلاد :
لعل نظرة فاحصة حول جغرافية البلاد ، وحول التركيب الاجتماعي
السكاني تعطي صورة أكثر وضوحاً عن وضع البلاد الضعيف المتخلف في ذلك الوقت.
ففي المساحة الشاسعة التي تقترب من 000،760،1كم2 ، لا تزيد
النسبة الصالحة منها للزراعة المستقرة – في ذلك الوقت – عن 1% . ويبلغ المجموع
الكلي للسكان حسب تعداد عام 1954 حوالي 1 و1 مليون نسمة ( منهم 000 ، 738 بولاية
طرابلس ، 000 ،298 بولاية برقة و 000 ، 59 بفزان ) . كما قدرت نسبة السكان
المستقرين ب 74% ، بينما تمثل نسبة أشباه البدو بحوالي 18% والبدو الرحل 8%.
ويتركز حوالي ربع السكان المستقرين أو مانسبته حوالي 18% من
المجموع الكلي لسكان ليبيا في كل من مدينتي طرابلس وبنغازي ( 130 ألف وسبعين ألف
على التوالي ) . أما عن سكان المدن جميعها فلم يكن بالإمكان حصر أعدادهم بدقة
وقتذاك ، ولكن قدرت نسبتهم فيما بين 25-30% من مجموع السكان في عام 1954 . بينما
يمثل سكان الأرياف نسبة 45-50% ، أما الباقون ونسبتهم 25% فيمثلون السكان غير
المستقرين من أشباه البدو والبدو الرحل.
دور مكتب العمل الدولي :
لم يكن في وسع الحكومة في ذلك الوقت أمام خضم المشاكل والظروف
السابق شرحها ، إلا أن تطلب المساعدة الفنية في ميدان الضمان الاجتماعي من مكتب
العمل الدولي ، بصفته الهيئة الدولية المتخصصة في هذا المجال . خاصة وأن الأمم
المتحدة هي التي سبق أن أتخذت تلك التوصية الخاصة بالتأمين ضمن قرارها بإعلان
استقلال البلاد وانتقال السلطات آلية.
وفعلا ، أسرع مكتب العمل الدولي بتلبية
دعوة الحكومة الليبية وسعيها في طلب الحصول على المساعدة الفنية ، حيث أرسل أحد
خبرائه المتخصصين في أكتوبر على 1952 ، والذي قام فور وصوله بدراسة ظروف الحياة
العامة وشروطها وعلاقات العمل السائدة في إنحاء البلاد ، كذلك طريقة تنظيم وإدارة
الخدمات ووظائف كل من المنشأت والهيئات الإدارية التقليدية المختلفة بالمدن والقرى
الرئيسية.
كما عمل الخبير على توثيق اتصالاته مع
مؤسسات التأمين الاجتماعي الإيطالية وبأصحاب الأعمال والعمال الليبيين ، وبممثلي
الهيئات المختلفة بما في ذلك أعضاء الجهاز الطبي من أخصائيين ومشرفين .
كل ذلك من أجل الحصول على مفهوم شامل حول وضع الإمكانيات المتوفرة لدى البلاد والوقوف على دقائق تركيبها الاقتصادي والاجتماعي في ذلك الوقت ، فأقتصرت الدراسة التمهيدية في أول الأمر على السكان المستقرين ، كما رأى الخبير أن تقدم بمشروع وطني للتأمين الاجتماعي يجب أن يشمل فقط المستخدمين غير الزراعيين وفي المناطق الحضرية فقط . وقد كان مصيبا في رأيه هذا إلى حد كبير خاصة إذا اعتبرنا هذا خلال المرحلة الأولى بالذات ، وعلى أساس الأخذ في الاعتبار الأحوال الاقتصادية والاجتماعية التي تتحكم بالبلاد في ذلك الوقت ، فذلك كله يقتضي مدخلا خاصاً وملائماً . بالإضافة إلى ذلك فإن السكان غير المستقرين وكذلك الأمر بالنسبة للسكان المناطق الريفية تواجهها أخطار ومشاكل أكثر وأكبر من مجرد تلك المخاطر التي تغطي عن طريق نظام للتأمين الاجتماعـي بل هي أكثر إلحاحاً وتقتضي مواجهة أسرع . فهم في حاجة ماسة إلى نجدتهم بالمساعدات المالية والعناية بالصحة العامة وتوفير سبل الخدمات العامة الضرورية الميسرة في مناطقهم ، هذا إلى جانب القيام بحملات واسعة ومنتظمة للتوعية والترشيد. أي باختصار ، فإن نظام المساعدات الاجتماعية أفضل لهم.
كل ذلك من أجل الحصول على مفهوم شامل حول وضع الإمكانيات المتوفرة لدى البلاد والوقوف على دقائق تركيبها الاقتصادي والاجتماعي في ذلك الوقت ، فأقتصرت الدراسة التمهيدية في أول الأمر على السكان المستقرين ، كما رأى الخبير أن تقدم بمشروع وطني للتأمين الاجتماعي يجب أن يشمل فقط المستخدمين غير الزراعيين وفي المناطق الحضرية فقط . وقد كان مصيبا في رأيه هذا إلى حد كبير خاصة إذا اعتبرنا هذا خلال المرحلة الأولى بالذات ، وعلى أساس الأخذ في الاعتبار الأحوال الاقتصادية والاجتماعية التي تتحكم بالبلاد في ذلك الوقت ، فذلك كله يقتضي مدخلا خاصاً وملائماً . بالإضافة إلى ذلك فإن السكان غير المستقرين وكذلك الأمر بالنسبة للسكان المناطق الريفية تواجهها أخطار ومشاكل أكثر وأكبر من مجرد تلك المخاطر التي تغطي عن طريق نظام للتأمين الاجتماعـي بل هي أكثر إلحاحاً وتقتضي مواجهة أسرع . فهم في حاجة ماسة إلى نجدتهم بالمساعدات المالية والعناية بالصحة العامة وتوفير سبل الخدمات العامة الضرورية الميسرة في مناطقهم ، هذا إلى جانب القيام بحملات واسعة ومنتظمة للتوعية والترشيد. أي باختصار ، فإن نظام المساعدات الاجتماعية أفضل لهم.
الصعوبات التي واجهت إنشاء
نظام للتأمين الاجتماعي :
لقد واجهت الدراسة التمهيدية صعوبات عديدة ، كما أن اعتبارات أخرى
هامة وكثيرة قد أخذت في الحسبان . وكما سنرى ، ما له علاقة بطبيعة البلاد وظروفها
الخاصة ، ومنها ما يعتبر من خصائص البلاد النامية بصفة عامة . ويمكن إجمال هذه
الصعوبات وتلك الاعتبارات بشئ من التفصيل فيما يلي:
1- التركيب الإقليمي للبلاد :
كانت ليبيا كدولة إتحادية تتكون من ثلاث ولايات ( طرابلس الغرب
– برقة – فزان ) وقد أخذ هذا التركيب في الاعتبار عند بحث تنظيم مشروع قومي
للتأمين الاجتماعي ، فكان الخيار يقع بين إنشاء مؤسسة واحدة لكل البلاد ، أو إنشاء
مؤسسات منفصلة في كل من الولايات الثلاث ( أي ثلاث مؤسسات مختلفة ) . غير أن مساوئ
الحل الثاني وجدت كثيرة إذا قورنت بمزاياه ، فعملية تقسيم عضوية المشروع وهو بحد
ذاته صغير إلى ثلاثة أجزاء غير متساوية ، ستجعل المفاضلة غير ملائمة لإحداها وأغناها
( بطرابلس الغرب ) على حساب الآخرين وقد تضر بهما. وقد يؤدي فيها ضئيلا جدا إلى
جانب إنخفاض مستويات الأجور النقدية بدرجة ملموسة . بل أكثر من ذلك يعتبر هذا
الأمر قضاء على أهم مبادئ التأمين الاجتماعي إلا وهو الحاجة إلى التوسع في تجميع الإخطار
، مما سيؤدي بكل تأكيد إلى ارتفاع تكاليف أداء الخدمات الناتج عن الارتفاع في
المصاريف الإدارية خصوصا بالنسبة للمزايا العينية.
هذا وقد تباينت واختلفت وجهات النظر والآراء بين الحكومة
الإتحادية وحكومات الولاية حيال هذا الأمر ، كما كان التباين واضحاً بين أعضاء
حكومة الإتحاد أنفسهم من مؤيدين ومعارضين للحقوق الولائية بتبني كل منها مؤسسة
مستقلة . ولحسن الحظ فقد تم التغاضي عن الأراء ووجهات النظر المبنية على أساس
أقليمي محض ، وأمكن الموافقة على الاقتراح القاضي بإنشاء مؤسسة واحدة – هى المؤسسة
الوطنية للتأمين الاجتماعي التي تكونت فيما بعد – تلتزم بإدارة كل فروع مشروع
التأمين الاجتماعي الذي سيطبق على مستوى البلاد جميعها كوحدة واحدة في ظل تشريع
واحد كان ذلك بين السنوات 1954-1957.
وكان موضوعياً أن يتضمن هذا الاقتراح أن تحتوى المؤسسة على فروع
ولائية ثلاثة يكون لها ، لعوامل جغرافية وعملية بحتة ، شئ من الاستقلال الإداري في
التنفيذ . كذلك تقرر أن يكون أمر الإشراف على نظام التأمين الاجتماعي للحكومة
الإتحادية ، كما يكون للسلطات الولائية درجة محدودة في الرقابة والإشراف على
نشاطات المكاتب الفرعية التابعة لإقليمها.
2- هبوط مستوى التعليم في
البلاد :
جاء في إحصاء عام 1954 أن نسبة الأمية بين الليبيين تقدر بحوالي
85% من مجموع السكان وهذه نسبة مرتفعة جداً ينبغي أن يعمل لها حساب ( لتأثيرها
المتعدد الجوانب ) عند التخطيط لوضع مشروع أو نظام جديد للتأمينات الاجتماعية .
فأي نظام مماثل يتطلب القيام بتسجيل بعض البيانات الضرورية ، مثلا كتلك التي تخص
أصحاب الأعمال والمستخدمين المؤمن عليهم ، كذلك ملأ نماذج معينة تتعلق بالقيد في
التأمين ودفع الاشتراكات وطلبات المزايا المختلفة.
فإذا كان الأشخاص المعنيون مباشرة غير قادرين على تحضير مثل هذه
النماذج جاهزة في صورتها الأولية و لاحتى فهم التعليمات المكتوبة بها فعما جيداً ،
وإذا كانوا لايستطيعون الإيفاء بالكثير من المتطلبات الاخري المشابهة ، فان مهمة
الإدارة حينئذ تصبح شاقة تقتضي جهدا مضنيا ومرونة كبيرة من اجل تسيير دقة العمل
لتحقيق إغراض المشروع .
فكان ضروريا أذن ، للتغلب على مثل هذه المشكلة أن يبسط تركيب
المشروع الجديد إلى درجة كبيرة ، أو على الأقل فيما يختص بأساليب الإدارة الداخلية
والتعليمات وطرق حساب ودفع الاشتراكات والمزايا المختلفة ، وهذا ماحدث فعلا كما
سيأتي شرحه في الأبواب التالية.
3- مشكلة المستوطنين الأجانب :
لقد أدى وجود مجموعة كبيرة نسبيا من العمال الأوربيين ، وبالذات
أبناء الجالية الايطالية جنبا إلى جنب مع العمال الموطنين بعاداتهم وحاجياتهم
الخاصة وباختلاف لغاتهم وخلفياتهم ومستوياتهم الفنية ، وأنماط معيشتهم وأجورهم ،
أدى هذا إلى ظهور أراء معينة فيما يتعلق بتدبير هذا الموقف فرأي يقول يجب ان يؤخذ
ذلك في الحسبان خاصة وإنهم تعودوا على التمتع بمستوي معين من الحماية كانت تقدمه
لهم – في ذلك الحين – فروع مؤسسات التأمين الاجتماعي الايطالية العاملة في ليبيا –
ولكن لما كان من المستحيل في مثل تلك الظروف والمواقف تطابق متطلبات ووجهات نظر كل
من الطرفين ، فقد رجح رأى آخر أكثر موضوعية وهو اعتبار النظام الذي يتمشي
وإمكانيات وحاجيات المستخدمين الوطنيين ، اى تغليب العنصر الليبي.
4- نقص البيانات والمعلومات
اللازمة :
كان النقص الكبير في الإحصائيات على وجه الخصوص ، مشكلة واجهت
الدراسة التمهيدية بقصد الإعداد لعمليات التخطيط للمشروع وتكونيه ، فتواجد الإحصائيات
بأى شكل ضروري لتحديد كثير من العوامل التي تؤثر على تحقيق التوازن المالي لاى
نظام تأمين اجتماعي ، وإذا كان من المسحي لان ينشد المخططون لمثل هذا النظام تحقيق
التوازن المالي منذ بدايته فانه من الضروري على الأقل ان يكون أسسه متوفرة.
والمقصود بتلك البيانات الإحصائية الإحصاءات الحيوية للسكان
وإحصائيات القوى العاملة ومستوى العمالة وحركتها وإحصاءات الأجور ... الخ
فالمعلومات المتوفرة حينذاك كانت بسيطة ومحدودة جدا فيما يتعلق
مثلا بعدد الأشخاص المستخدمين ، توزيعهم الصناعي او حسب قطاعات العمل ، مستوى
الأجور ، متوسط دوران فترة الاستخدام او العمالة ، حوادث العمل والخاطر المفروض
تغطيتها هذا الى جانب البيانات حول العوامل الديموغرافية الأخرى مثل معدلات
المواليد والوفيات ، متوسط العمر ، التوزيع العمري للسكان .. الخ.
هكذا لم يجد خبير مكتب العمل الدولي السابق الإشارة إليه مناصا
، من محاولة ملا هذا النقص الكبير في البيانات ، أما عن طريق المعلومات التقريبية
المتحصل عليها من السلطات الإدارية المحلية ، او من أشخاص آخرين ذوى الشأن
والموثوق بهم ، أو من المنظمات المختلفة ، أو بواسطة عمليات تحليلية خاصة عن طريق
عينات مسح صغيرة او تقديرات مبنية على أساس التجربة الشخصية.
وبمساعدة كل هذه المعلومات والبيانات المتجمعة عن طريق محاولات
عديدة ، أمكن أجراء تقويم تقريبي للتكاليف المحتملة لمشروع التأمين الاجتماعي
المقترح.
5- مشكلة النقص في الكوادر
الإدارية :
تتطلب عملية تنظيم وتسيير مشروع التأمين الاجتماعي المقترح
إعداد الموظفين والإداريين الليبيين من مختلف الكفاءات اللازمة لإدارته في نفس
الوقت الذي تواجه فيه البلاد نقصا حادا في العناصر الفنية المدربة على جميع
المستويات ، فلم يكن الليبيون المستخدمون لدى فروع مؤسسات التأمين الايطالية
وعددهم قليل ذوى خبرة نافعة في مجال إدارة شئون التأمين الاجتماعي ، فمعظمهم كان
ملتحقاً بأعمال كتابية أو يدوية بسيطة.
وبناء على ذلك كان من الضروري وضع برنامج تدريبي طويل الأجل
يكون على شكل دورات مختلفة الإغراض والمدد ، في الداخل والخارج بحسب الحاجة ، هذا
الى جانب الاستعانة بالعناصر الفنية الأجنبية المتخصصة ، على الأقل خلال المرحلة
الأولى من تطبيق المشروع.
6- تردى الوضع الصحي العام :
تقرر ان يتضمن مشروع التأمين الاجتماعي الجديد ضمن فروعه توفير
خدمات العناية الطبية وضمانها حق للمستخدمين المؤمن عليهم في حالات اعتلال الصحة (
المرض العادي ) ، إصابة العمل والحمل والولادة ،وقد أدى هذا إلى زيادة الأعباء ،
إذ انه يستوجب توفير الجهاز الطبي الضروري من أشخاص وأدوات في المناطق المختلفة ،
اى إن هذا المضمون او الاعتبار الهام ، واجهته – بالمقابل – أوضاع صعبة للغاية ،
ففي السنوات التي تلت إعلان الاستقلال ، كانت جميع الإمكانيات الطبية المتوفرة
بالبلاد على وجه العموم تدار من قبل الحكومة الاتحادية والسلطات المحلية بالولايات
عن طريق وزارة ونظارات الصحة العامة ، كما أنها تمول من الميزانية العامة ،
باستثناء بعض العيادات والمراكز الصحية الصغيرة التابعة لهيئات مختلفة مثل الصليب
الأحمر وفروع المؤسسات الايطالية للتأمين الاجتماعي السابق ذكرها.
كذلك كان معظم أعضاء الجهاز الطبي مستخدمين لدى الهيئات العامة
للدولة ، فكان من بين 52 طبيبا معينين بولاية برقة ،24 مستخدمين تبع المصالح
الحكومية ، وسبعة فقط من هؤلاء يمارسون العمل الإضافي بالعيادات الخاصة ، ويختلف
الأمر قليلا في ولاية طرابلس وعلى وجه اخص بمدينة طرابلس ذاتها ، حيث كان 70% من
الأطباء معينين من قبل سلطات الولاية ، ونسبة من يمارس العمل بالعيادات الخارجية
الخاصة من بين الأخصائيين كانت بالمقاربة عالية. وعلى وجه العموم ، كان الوضع فيما
يتعلق بإمكانيات العلاج في ذلك الوقت سيئا للغاية ، فنسبة عدد الأطباء الى عدد
السكان اقل من 1,4 طبيب الى كل 10,000 مواطن ، وهذه نسبة منخفضة جدا مقارنة
بالمتوسطات العامة السائدة في بلاد أخري فهي ( أي النسبة العادية اللائقة ) 7,4
طبيب لكل 10,000مواطن ، بينما نجدها في البلاد المتقدمة تصل الى 12 طبيب 10,000
مواطن ( السويد ودول اسكندنافيا ) كذلك الأمر بالنسبة لعدد الأسرة المتوفرة
فوضعهما غير جيد ، إذ أن الى عدد المواطنين تقل عن ثلاثة في الإلف.
وتحت هذه الظروف ، كان الرأي أن يعهد بالتزام العناية الطبية
على المؤمن عليهم مؤقتا إلى هيئات الصحة العامة الحكومية والتي تتولى تقديم
خدماتهم العلاجية إلى جميع المواطنين ، وذلك على الأقل في الأماكن حيث تتوافر مثل
تلك الخدامات.
وهنا أثيرت نقطتان هامتان : الأولى تتعلق بمدى تمتع المؤمن
عليهم بأفضلية في المعاملة عن باقي جمهور المواطنين الذين يتلقون خدمات العناية
الطبية مجانا والثانية وتتعلق بالدفع كمساهمة في المصاريف نظير تلقي المؤمن عليهم
لخدمات العناية الطبية من قبل مرافق الصحة العامة ، وأخيرا اخذ بالرأي المتفق
ومبادئ الضمان الاجتماعي حيث سويت هاتان النقطتان على أساس ان تعقد بشأنها اتفاقية
خاصة بين المؤسسة الوطنية وبين وزارة الصحة العامة.
مقترحات لعلاج مشاكل
التأمين الصحي :
هكذا لايبدو انه بالإمكان توقيع تحسن مادي ملموس خلال فترة
قصيرة من الزمن ، سواء فيما يختص بتوافر العناصر الطبية والإدارية والفنية من ذوى
المهارات والقدرات المختلفة من بين الليبيين ، أو فيما يختص برفع مستوى خدمات
العناية الطبية ، وذلك راجع لضعف الوضع الاقتصادي بصفة عامة ، ومحدودية الميزانية
العامة العاجزة عن تمويل اى توسع ، فكان الأمل معقود بالدرجة الأولى على أن يحقق
مشروع التأمين الاجتماعي المقترح اكتفاءه الذاتي في هذا المضمار شيئا فشيئا.
ومن ثم اتجه الرأي إلى انه يمكن للمشروع عن طريق الأرصدة
والمدخرات الناتجة عن دفع الاشتراكات الإجبارية ، أن يزاول نشطاه و يتدعم مركزه
المالي وان ينشي مؤسساته العلاجية وتوفير المستلزمات الطبية مما يؤدى إلى تمتع
الؤمن عليهم بمستوى جيد من الخدمات ، إلى جانب ما يؤديه ذلك بالضرورة من تخفيف
العبء الواقع على مرافق الصحة العامة .ومن هذا كله ، نرى أن الخبير كان موفقا في
راية إلى درجة كبيرة عندما ارتأى بان تتصف المقترحات التي تخص تنظيم العناية
بالمرونة الكافية ، بحيث تمكن الأجهزة المنفذة لمشروع التأمين الاجتماعي فيما بعد
من أن تنفح في الطرق والإجراءات المختلفة لتكون أكثر ملائمة في مواجهة حاجيات
العاملين المتطورة في هذا الخصوص ، وعلى أساس من الإمكانيات المتوفرة والمكتسبة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق