يقصد بالضمان الاجتماعي التأمينات الاجتماعية التابعة للقطاع الحكومي و إيراداتها عبارة عن جزء من راتب الموظف يقتطع من قبل رب العمل من قيمة راتبه وجزء يدفعه رب العمل من قيمة الراتب للعامل مقابل هذا الإيراد تلتزم التأمينات الاجتماعية بتعويض الراتب التقاعدي و تعويض إصابات العمل و تعويض الوفاة أثناء العمل.
قانون الضمان الاجتماعي هو إلزام صاحب العمل برعاية بعض شؤون الأجير، فيلزمه بما سمي حقا مكتسبا للأجير كالتقاعد والمكافآت والتطبيب.
ابتدعت الدولة المعاصرة فكرة الضمان الاجتماعي من أجل تحقيق العدالة الاجتماعية، لكفاية الأجير من قبل صاحب العمل،و إلزام صاحب العمل بتحسين أحوال الأجير المعيشية مع إبقائها دائما في ادني مستويات المعيشة أملا في تطويل عمر النظام.
يبدوا جليا أن الضمان الاجتماعي فاسد من أساسه،وفساده من فساد النظام،فمن حيث واقعه فانه لا يحل مشكلة احد، فــــاجر الأجير في الدول الرأسمالية الصناعية ذات الحركات العمالية القوية مربوط دائما بأدنى مستويات المعيشة، وطبيعي أن نسبة منه مهما ارتفعت تنزل بعيش الأجير عن ذلك المستوى .
إذا كان الضمان الاجتماعي جدلا يحل مشكلة الإجراء فمن يحل مشكلة البائع على العربة وماسح الأحذية وسائق السيارة والبستاني ...................الخ ? هذا من حيث واقعه، أما من حيث غايته فانه تكريس لعدم مسؤولية الدولة عن رعاية شؤون الناس فيها وإناطة تلك الرعاية بالآخرين،وهو تضليل وخداع للناس ودجل عليهم لجعل الصراع بين الأجير وصاحب العمل بدل أن يكون صراعا بين جميع الناس والدولة .
ولا عجب أن يصدر هذا القانون و أمثاله في دولة اقل ما تتصف به سوء الرعاية وانعدام المسؤولية، فالناس يعانون من الجوع من جراء الغلاء الفاحش في أجور مساكنهم وفي أقواتهم وضروريات حياتهم، والسواد الأعظم من الأجراء تجب لهم الزكاة،ثم تأتي الدولة فتصدر قانون الضمان الاجتماعي كحل لمشكلة الفقر والحرمان .
أقول لا عجب، لان مهمة الدولة إرهاب الناس ومحاربتهم في أقواتهم لإبقائهم في فقر دائم، حتى يصبح الواحد ويمسي والرغيف اكبر همه يحجب تفكيره عما سواه، فليست القضية قضية تقصير وتهاون، وإنما هي سياسة متعمدة يخطط لها.
إن رعاية شؤون كل فرد من أفراد الرعية واجب من واجبات الدولة، وكفايته حق من حقوقه عليها، فقد قال صلى الله عليه وسلم ((كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته،فالإمام راع وهو مسئول عن رعيته )).
وكفاية الفرد إنما تكون بإشباع حاجاته الأساسية، أما في الدول المتأخرة فان الأجور في أحسن درجاتها تصل بالأجير إلى أدنى مستويات المعيشة تاركة القسم الأكبر من الأجراء في عوز وجوع دائمين،فماذا تنفع نسبة منها ? الحاجات الأساسية للإنسان هي:المأكل ، الملبس ، المسكن
وقد حل الإسلام مشكلة الفقر بان أوجب إشباع الحاجات الأساسية هذه إشباعا حقيقيا لكل فرد بعينه والإشباع يجب أن يكون إشباعا حقيقيا وكليا لكل فرد بعينه ومعنى بالمعروف هنا ما عرف من نفقة مثله من مأكل وملبس ومسكن لدى الناس، أي ليس مجرد الكفاية وإنما الكفاية بالمعروف و لقد أوجب الإسلام على الدولة تحقيق إشباع الحاجات الأساسية لكل فرد بعينه، أوجب كذلك إشباع الحاجات الأساسية للرعية،وهي الأمن والتطبيب والتعليم،فتحفظ الدولة امن الجميع وتؤمن التطبيب والتعليم للجميع لا فرق بين غني وفقير ولا بين موظف وغير موظف،وتدفع جميع النفقات المترتبة على ذلك من بيت المال أي من خزينتها .
وبإشباع الحاجات الأساسية من مأكل وملبس ومسكن لكل فرد بعينه إشباعا كاملا حقيقيا بالمعروف، وتمكين كل فرد من إشباع حاجاته الكمالية بتسهيل التسابق للحصول عليها، وبإشباع الحاجات الأساسية للأمة من امن وتطبيب وتعليم،بذلك يقضى على الفقر قضاء حقيقيا ويسار بالمجتمع نحو الرفاهية الحقة .
إن حق الضمان الاجتماعي هو حق ثابت في الشريعة الإسلامية للفقراء والضعفاء، وليس منه للمجتمع أو للأغنياء أو للدولة على الفقراء. بل هو مظهر للإيمان بالله واليوم الأخر ولتكريم بني آدم كما كرمهم الله، وهو نتيجة بديهية للأخوة الإسلامية التي تجعل المجتمع كالجسد الواحد. ومهما كان الوضع الاقتصادي للمجتمع المسلم فلا بد من تطبيق هذا الحق من حيث المبدأ. لكن مدى هذا التطبيق ونطاقه يؤخذ فيه بإمكانات المجتمع الواقعية الاقتصادية والأخلاقية.
المنهج الإسلامي يقوم على تعدد الصيغ والوسائل التطوعية والإلزامية، على اللامركزية، وعلى تشجيع الأفراد على الاعتماد على أنفسهم إلى أقص قدر ممكن، وعلى تشجيع وتنظيم التطوع إلى أقص حد ممكن، وعلى تقوية صلة الأرحام واعتبار الأسرة خط الدفاع الأول في الضمان الاجتماعي، واعتبار الدولة وبيت المال العام خط الدفاع الأخير.
علينا الاستفادة من التجارب الإنسانية والسنن الاجتماعية التي يدل عليها استقراء وقائع الضمان الاجتماعي في العالم، وبخاصة صيغ تنظيم اعتماد الأفراد والأسر على النفس عن طريق التكافل المتبادل
لا ريب ان حق الضمان الذي نتحدث عنه يشمل الطعام والشراب واللباس والمأوى وسواها من الحاجات المادية اللازمة لحفظ الحياة، كالدواء مثلا. لكن الذي لا ريب فيه أيضاً أن هذا ليس هو كل ما أوجب الإسلام علينا أن نضمنه للفقير والضعيف.
والذي يبدو لي أن أفضل طريقة للتعبير عن المبدأ الشرعي في هذا المجال هو الانطلاق من المقاصد التي حرصت الشريعة على حفظها للفرد والجماعة،
هذه هي الرعاية الصحيحة، وهي الرعاية التي أوجبها الله على الحاكم وهي التي جسدها عمر بن الخطاب رضي الله عنه عندما قال : واللـــه لو أن شاة عثرت بأرض العراق لكنت مسئولا عنها ولخشيت أن يحاسبني الله عليها يوم القيامة. فأين منها الضمان الاجتماعي،وأين منها دجل الدولة وتضليلها فمن واجب أعضاء المجلس الشعبي وقد البسوا ثوب تمثيل الأمة أن يرفضوا أن تجعل منهم الدولة أداة تلبس بها خيانتها للأمة لباس الشرعية حتى لا يكونوا شركاء في الجريمة،ومن واجب كل فرد في الأمة أن يعمل وإقامة العدل و لمثل هذا فليعمل العاملون .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق