السبت، 6 يوليو 2013

التجرد والإخلاص في العمل



فلسفة التجرد
"
The problem of impartiality"


عندما تري أوروبي يتكلم ببرود أعصاب وثقة وقدرة علي التعبير بعناد فعلم انه هذا الأوربي والأمريكي لا يعبر عن ما بداخلة انهو يستخدم معايير عقلية دقيقة وهي "محاولة التجرد " التجرد من العواطف التجرد من الميول الثقافية التي تربى عليها من قبلية والطائفية .....  
كان القدماء من أبناء العائلات الراقية في أوروبا من أمثال الفيلسوف والقاضي موتان يعلمون أولادهم عند علماء الأدب واللغة اللاتينية وكان الدرس الأول لهم هو "فلسفة التجرد"  
وفي الحقيقة هي من أخلاق الفرسان وهو التجرد ويعرفها العرب والفرس بـ "العادل" وقال بعض العرب أنها "الحكمة"
وللأسف العرب اخذ من التجرد الأمثال والحكم فقط ولكنها في وقعهم غير موجودة .
سالم الصديق العبيدي

التجرد والإخلاص في العمل

يقول الله تعالى: "قُلْ إِنَّمَا أَعِظُكُمْ بِوَاحِدَةٍ أَنْ تَقُومُوا لِلَّهِ مَثْنَى وَفُرَادَى ثُمَّ تَتَفَكَّرُوا مَا بِصَاحِبِكُمْ مِنْ جِنَّةٍ إِنْ هُوَ إِلا نَذِيرٌ لَكُمْ بَيْنَ يَدَيْ عَذَابٍ شَدِيدٍ" ويقول: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ"
هل تعلمون ما الأمر الجامع بين الآيتين ،الآية الثانية مشهورة ومتداولة ،والناس يتكلمون عنها بخصوص العدل مع الطرف الآخر إذا كانوا قد اعتدوا عليك أو كان بينك وبينهم عداوة ، فالحديث عنها والاستشهاد بهذه الآية مشهور ، ولكن الاستشهاد بالآية الأولى قليل ،وقليل من الناس من يلحظ الملحظ الدقيق والعميق فيها ،وهي قوله تعالى: "قل إنما أعظكم بواحدة أن تقوموا لله مثنى وفرادى ثم تتفكروا ما بصاحبكم من جنة" لماذا قال مثنى وفرادى؟ فهمنا من الآية الأخرى : كونوا قوامين لله شهداء بالقسط أي اعدلوا في نظرتكم للآخر سواءً لمن أحسن اليكم أو لمن ظلمكم أو كانت بينكم وبينه مشكلة، فإن كنت تريد أن تحكم على الآخر أو تحكم على أمر معين ،فيجب أن تعدل، فهذا الأمر مفهوم من الآية، فإذن العدل مطلوب،لكن هذا النوع من العدل وهو الحكم على الآخرين على مستوى التقويم النفسي والشخصي ، فالإنسان إذا عدل في موقفه من الأخرين أو من الأحداث أو من الأمور بناء على المعطيات فقط، وليس بمؤثرات نفسية أو خارجية تؤدي إلى عدم العدل فإذا أتقن الإنسان هذه المسألة يسمى هذا الأمر تجرداً ،يعني تجرد الانسان من شيء أي أبعده عنه أي أبعد عنه المؤثرات الخارجية التي تؤثر في كمال العدل، فهذا ما درج الناس حالياً على تسميته بالتجرد، ويسمى كذلك بالإنصاف.
هذا التجرد سلعة غالية جداً جداً وصعبة المنال ،وكثير من الناس حتى من يبدو في أعين الناس أنه متدين ومخلص وتقي وأخلاقه عالية جداً يقع في إشكالية عدم التجرد، فيحكم على الناس إما بالهوى أو بالحب ،فيمدحهم بما ليس فيهم ويسامحهم بما لايستحقوا المسامحة من أجله أو بالبغض فيكره الإنسان ويحكم عليه بأمور ليست فيه أو بسبب الخوف من أنه إذا اتخذ موقفاً إيجابياً من شيء ما فقد يتضرر أو إذا اتخذ موقفاً سلبياً قد يتضرر أو بالغيرة أو الحسد ،فيحسد شخصاً معيناً على سمعته وقبوله بين الناس وشهرته فيغار من هذه الشهرة و من أخذه لقلوب الناس فيجتهد في تقبيح صورته أو الحكم السلبي عليه، فيقع في عدم التجرد، فلذلك لا تكاد تجد التجرد في الناس إلا نادراً نادراً، وحتى لو وجدت إنساناً متجرداً من ناحية البغض للآخر يكون غير متجرد من ناحية المحبة لإنسان ما ويسامحه فيما لا يستحق المسامحة ، فحقيقة التجرد أن تحكم على الموقف بما يستحق لا بما تشعر أنت.
 بالعودة إلى الآية الأولى التي يقول الله فيها: "قُلْ إِنَّمَا أَعِظُكُمْ بِوَاحِدَةٍ أَنْ تَقُومُوا لِلَّهِ مَثْنَى وَفُرَادَى ثُمَّ تَتَفَكَّرُوا مَا بِصَاحِبِكُمْ مِنْ جِنَّةٍ" فأين الرابط وأين قضية التجرد؟؟؟ هنا القضية دقيقةُ جداً، وفيها ملحظ عميق في كلام الله سبحانه وتعالى، فالإنسان إن كان مع غيره شخص آخر، فهو مثنى، حيث يقول مثنى وفرادى ،فالإنسان إن كان يتفكر لوحده فلن تكون هناك مؤثرات عليه فهو يتفكر في وجود الله وفي وحدانية الله وفي خلق الله وفي قدرة الله فلا تأثير لأحد عليه فهو يحكم من خلال المعطيات الكونية المجردة التي تدعوه إلى التفكر بهذا الكون وأن النبي صلى الله عليه وسلم نذير لهم بين يدي عذاب شديد فهذا احتمال ،والاحتمال الثاني أن يأتي شخص آخر معك فتبدأ النقاش معه وليس هناك جمهور ولا شخص ثالث ليحكم من هو المصيب ومن هو المخطىء، فأنت لست في معرض الإنتصار لمذهبك أو فكرتك حتى تستحي من الجمهور الحاضر أو تريد أن تظهر بمظهر القوة أمام هذا الجمهور حتى لو كان الجمهور شخصاً واحداً فلذلك احتمال التجرد باقٍ، ومن ثم نسبة التجرد في حالة الشخص الواحد أو الاثنين عالية جداً، ولذلك ورد في القرآن :"قُلْ إِنَّمَا أَعِظُكُمْ بِوَاحِدَةٍ أَنْ تَقُومُوا لِلَّهِ مَثْنَى وَفُرَادَى ثُمَّ تَتَفَكَّرُوا مَا بِصَاحِبِكُمْ مِنْ جِنَّةٍ" فإذا أردت أن تنتزع موقفاً أقرب إلى العدل والتجرد فعليك بالذهاب إلى شخص واختلي بينك وبينه واسأله بالله سبحانه وتعالى وأخبره أنك لن تخبر أحداً ،فسيكون هناك تجرد ولعله لن يكون كاملاً لخشيته من أنك ستخبر عن موقفه ولكنه لو جزم أنك لن تعلن موقفه سيكون متجرداً.
وقصة المشركين الذين استمعا إلى النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ القرآن وكان أبو جهل أحدهما، وحين تقابلا فجأةً تصارحا بينهما ،ولم يخفيا إعجابهما بهذا القرآن وأنه حق حتى قال أبو جهل: أطعم بنوهاشم وأطعمنا وسقوا وسقينا حتى قالوا منا نبي فكيف لنا أن نأتي بنبي، فإذن اعترف حيث لم يكن هناك الا اثنان بأن القضية ليست تصديقاً بآلهة للشرك ،وإنما عناد وتحدي للنبي صلى الله عليه وسلم.
إن التجرد سلعة غالية ولكن لابد للإنسان من السعي للتجرد حتى يحقق المبتغى الشرعي في الحكم على الأمور ، والإنسان لا يستطيع أن يضمن انضباط منهجه وحياته وتصرفاته إلا حينما يتقن التجرد ويتصف بالعدل الكامل.
إذا اتقن الإنسان التجرد أصبح ناضجاً على المستوى الأخلاقي و الشخصي، وإذا انتشر التجرد والعدل في المجتمع أصبح حضارياً جداً لأنه يتعامل مع كل شيء سواءً كانوا أشخاصاً أو أحداثاً بعدل وإنصاف.
ولذلك إذا أردت أن تتعامل مع قضية لابد أن تمر بخطوتين: الأولى معرفة المعلومات المجردة لأنه ليس من  العدل والإنصاف أن تقفز إلى معلومات خاطئة لأنك ارتحت لها، لأنها تشوه من تكره أو تجمل من تحب ،فلذلك لابد من أن تتأكد من المعلومات والمعطيات الدقيقة بذاتها والمتجردة، ثم تنتقل الى المرجعية التي تحكم بها على هذا الأمر ،والمرجعية عندنا هي كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم ،فلا نحكم على الأمور بمحبة ولا ببغض ولا بخوف ولا عداوة ولا بغضاء ولا مودة.
ينطبق هذا الأمر على تجربتنا الشخصية، فمع الأسف الشديد لو تأملت في وجوه كثيرة من المجتمع لرأيت فيها آثار عدم التجرد خاصةً في التعامل مع الحركة الإصلاحية، فالصفوة أو النخبة لم تحز التجرد لأنه  لا يمكن أن يأتي إلا بجهاد حقيقي للنفس وبالتخلص من كل النوازع الواردة على الإنسان.
ومعظم المخالفين للحركة من كل الشرائح سواءً إسلاميين أو علمانيين ،ماعدا الصريحين في معاداتنا الذين لا يريدوننا لأنهم يعتبروننا خطراً عليهم ، لايعلنون صواب إتجاهنا لوجود نوازع نفسية داخلية يستحيل معها أن يصرحوا بها،بل ربما هم لا يحسون بها حيث تغلغلت في اللاشعور حتى أصبحت تتغلب على طريقتهم في التفكير،كذلك الخوف فأناس كثير لايستطيعون بحال من الأحوال إثبات أن وسيلتنا أو برنامجنا أو أهدافنا خطأ ويعرفون أن آل سعود مجرمون وظالمون،ولكنه لا يستطيع إعلان تأييده لخوفه من عقاب الدولة أو من كلام الناس،فيبررون خوفهم وجبنهم وانكفاءهم وسلبيتهم باتهامنا بإتهامات لا يستطيعون تبريرها أو تأصيلها أو إثباتها.
نموذج آخر عند طلبة العلم والمثقفين والعلماء فبعض هؤلاء يعانون من فقدان شيء من جمهورهم حيث ينفض الناس إلى إعطاء الإهتمام والتركيز على ماتصدره الحركة بدلاً من اهتمامهم بما يصدره هؤلاء المثقفون وطلبة العلم والعلماء، فيحسون بنوع من الغيرة ،فيبعث هذا في أنفسهم في اللاشعور أن يقفوا مخالفين للحركة ونشاطها،فهم يريدون بكل وسيلة أن يقللوا من شأن هذه الفكرة الجديدة غيرةً وحسداً،والعياذ بالله.
سبب آخر هو الطمع في المنصب فالإنسان يكون طامعاً في منصب أو حظوة اعلامية أو نوع من أنواع الدعم الحكومي المادي،فيخشى إن وقف موقفاً إيجابياً من نشاط الحركة أن يخسر هذا الأمر فلا يكتفي بالانكفاء والسكوت،بل يبحث عن مبررات ليبقى في منصبه من خلال الهجوم على الحركة أو تقبيح صورتها،وهو يعلم أن هذه الأمور غير صحيحة.
وقد يكون بين الإنسان وبين أشخاصٍ في الحركة أو في العمل الإصلاحي نوع من الإحتكاك السابق فيؤدي ذلك إلى نوع من التوجس والمواقف السلبية بينما لا يستطيع أن ينتقدهم أو يضع فيهم كلاماً صريحاً واضحاً يدلل عليه.
وبمناسبة الحديث عن الحسد والغيرة والاحتكاكات الشخصية،كان علماء الرجال في علم الحديث يتجاهلون كلام الأقران في بعضهم ،حتى لو كان الشخص هذا ممتازاً في حكمه على الرجال،ولكن إذا تكلم في قرين له زامنه في المكان والوقت فإنهم يراعون ذلك ويتفادون حكمه على الآخر خشية أن يكون بينهم نوع من الغيرة المتبادلة،فيكون حكمهم على بعضهم مقدوحاً فيه،ولذلك يقولون: لا يؤخذ كلام الأقران بعضهم في بعض.
وقدوتنا في ذلك النبي صلى الله عليه وسلم حيث كان من أعدل الناس ،كان يعدل حتى مع خصومه وأثنى على المشركين بما يستحق الثناء منهم،مثل المطعم بن عدي ومثل حاتم طيء لشهامتهم وكرمهم واستعدادهم للجيرة.
ولذلك حين تكلمنا عن تاريخ الدولة السعودية وتكلمنا عن عبدالعزيز بن سعود وذكرناه بما فيه من انتهازية وظلم وغش للذين وقفوا معه لم ننكر أنه داهية ولم ننكر أنه ذكي صبور وطويل نفس وكان مستعداً لأن يصحو بعد أكثر من كبوة ويتحمل المشاكل ويعيش حياة صعبة من أجل أن يحصل على النتيجة التي طلبها وهي تحويل الملك إلى امتلاك حقيقي يسوق به الناس ويتحكم بهم.