الخميس، 9 يناير 2014

الإستراتيجية الوطنية لمكافحة الفساد الإداري في ليبيا



الإستراتيجية الوطنية لمكافحة الفساد الإداري
 في
 ليـبيــــــــــــــــــــــــــا



المشكلة عندما يتم طرح موضوع عن الفساد يتصوروا البعض أن ما يطرحه الكاتب يعبر عن موقف شخصي أو يقصد به جهاز معين، مما يثير ردود أفعال تجعل البعض ينتظر الإجابة عليها، ولا شك أن مثل هذه التصورات بعيدة عن الواقع، لأن مهمة الكاتب تتوقف عند تشخيص المشكلــة والتنبيــه عليها أينمــا وجـدت من خــلال ما يــدور في المجتمــع، وقضايا الفساد الإداري لم تعد خافية على أي مطلع، ولعل ما يتم تداوله في المجالس وما ينشر في مختلف وسائل الإعلام يعطى صـورة حية للواقع.
إذا كان الفساد يشوه المعايير التي على أساسها يتم توجيه الموارد، ويخلق أنماطاً من السلوك المنحرف تؤدي إلى تبديد الجهود المبذولة للإصلاح، فإن أنواع الفساد ودرجة استشرائه وتغلغله في الأجهزة العاملة تختلف من قطاع إلى آخر تبعاً لأهداف هذا الجهاز أو ذاك، وتبعاً لمعايير النزاهة التي تبنتها منظمة الشفافية العالمية التي أنشئت عام 1993م وهي الجهاز الدولي الأكثر نشاطا في هذا المجال
فإن أنماط الفساد الصغير الذي قد يكون مستشرياً في بعض الأجهزة أو في أغلبها، خاصة أجهزة الخدمات تقترن ـ عادة ـ بأسباب رئيسة هي التي أدت بها إلى الظهور، وهذه الأسباب أشارت إليها الاستراتيجية الوطنية لمكافحة الفساد يشارك فيها الجميع من خلال الوعي العام بأخطار الفساد وضرورة مكافحته بعد أن طال الفســاد معظــم جوانــب التنمية، ولم يعد يقتصر على الصور التقليدية المعروفة من "رشوه وتزوير وتلاعب بالمال العام وإساءة استعمــال السلطــة"، وإنمـا تعدى ذلك إلى ارتــبــاط الفســاد بالجريمــة والجريمة المنظمـة، حيـــث ظهـــرت أنماط عديدة من الجرائم المرتبطة بالإرهاب وفي خدمــــة أعـــداء الوطــن من خلال إيجاد مناخ لممارسة الشر وتأييده، إذ لو لم يجد هؤلاء الخارجون على النظام وعلى طاعة ولى الأمر موظفين "فاسدين" يساعدونهم على ارتكاب جرائمهم وتسهيل متطلبات عملياتهم لما تمكنوا من تحقيق مقاصدهم والنيل من مقدرات هــذا البلــد الآمن  ....

1- كسر النظام البيروقراطي المفرط و القيود والتعقيدات التي لا مبرر لها سوى تحقيق المصالح الخاصة أو الرؤى الضيقة وتوجيه الضربات الاستباقية لكشف بؤر الفساد .


2-  الإصلاح الإداري الذي يستطيع أن يكافح الفساد يعتمد في الدرجة الأولى على ضبط معيار "الكفاءة"، وأن يكون التميز من خلال تحقيق هذا المعيار لا من خلال المظاهر الخادعة، ومن خلال السلوك الوظيفي المتزن لا من خلال استغلال الوظيفة واحتكار تقديم الخدمة، ومن واقع العمل الجاد واحترام القواعد الواجبة الإتباع لا من خلال رفع الشعارات التي تخالفها الممارسات.

3- مكافحة الفساد الإداري تبدأ من الإيمان الطلق أن الفساد والعدالة على طرفي نقيض، حين يتسبب الفساد في تعميق التمايز الطبقي بين فئات الموظفين مما يضعف استقراره، ويتسبب في ضعف الجهاز، ويؤجج الصراع على اقتسام مراكز النفوذ، وتسلل الموظفين غيـر الأكفاء إلى مواقع المسؤولية، بما يؤدي إلى ضعف كفاءة الأداء.

4- لابد أن يدرك الجميع أن الفساد الإداري ظاهرة موجودة في كل المجتمعات وفي كل الدول، وأنه لم يكن ظاهرة جديدة، وإنما زادت فرص الكشف عنه ومعرفة الناس به، كما أن زيادة أعداد الموظفين نتيجة لزيادة عدد السكان وظهور فرص عديدة للتنمية وتقاطع المصالح فتح فرصاً متعددة وجديدة للفساد، وأصبح له جماعات ومنظمات تديره باستغلال أحدث التقنيات من أجل خدمة أهدافها، وساعدهم في ذلك استغلال ضعاف النفوس من الموظفين الذين لا يقيمون وزناً للجانب الأخلاقي لمتطلبات الوظيفة، مما سهل انحرافهم نحو الفساد للحصول على الأولية دون إدراك لمخاطر أعمالهم، حتى أصبحت الخدمات العامة التي تسعى الدولة إلى تحقيقها من خلال أجهزتها الرسمية مجرد تعليمات والحصول عليها عالي التكلفة.

5- علينا أن ندرك أن المسؤول الفاسد هو الذي يقاوم بكل شراسة أي تغيير يهدد مكتسباته ولهذا تجده يرفض إدراك الأفعال التي يقوم بها، أو النظر إلى ممارساته بأنها من أنواع الفساد، بل ربما يتنصل من المسؤولية وكأن الأمر لا يعنيه، وقد لا يتورع عن المزايدة على القيم الأخلاقية من خلال المناداة بتطبيق الأنظمة والالتزام بالمعايير الدينية والأخلاقية والتحذير من الفساد.

6- مكافحة الفساد تبدأ من توعية المجتمع بأضراره، ثم بتفعيل عنصر الثواب والعقاب التي تشجع الفساد أو تكافحه، لأن الموظف الفاسد عندما يدرك أن المنافع التي يحصل عليها من خلال الفساد أكبر من العقاب، أو أن الآثار السلبية أو احتمالات الإيقاع به ضعيفة تكــون دوافعه لارتكــاب الفســاد أقوى، ولهــذا فــإن العقــاب يلعــب دوراً مهمــاً فــي تشكيــل السلــوك وتوجهاته، كما أن إغفال دور الرقابة وغياب عنصر الثواب يفتح الباب واسعاً لارتكاب جرائم الفساد، ولهذا ينبغي أن تكون العقوبات رادعة وقوية وفورية ولا تمييز فيها بين كبير أو صغير.

7-  تفعيل دور الرقابة يجب أن يكون على الأداء وممارساته، وعلى قياس المنتج، والتأكيد على رفع تكلفة العقوبة للمنخرطين في الفساد. حيث يدركون أن حجم المنافع التي تحققت لهم أقل مما تعرضوا له من عقاب.

8- لابــد أن نــزرع ثقـافــة معـرفــة أن الفساد يؤدي إلى خلخلة القيم الأخلاقية، وإلى الإحباط وانتشار اللامبالاة والسلبية بين الأفراد، وبروز التعصب والتطرف في الآراء، وانتشار الجريمة كرد فعل لانهيار القيم وعدم تكافؤ الفــرص، وإلى عــدم المهنيــة وفقــدان قيمــة العمــل، والتقبــل النفســي لفكرة التفـريــط في معاييـــر أداء الواجـــب الوظيفـــي، وتراجـــع الاهتمــام بالحــق العام، والشعور بالظلم لدى البعض مما يؤدي إلى الاحتقان وانتشار الحقد بين شرائح الموظفين، وزيادة حجـم المجموعـات المهمشة بسبب تسلط هذا المسؤول أو ذاك، وعدم قدرته على إدارة دفة العمل وتحقيق أهداف الجهاز.ومتى ما زرعنا هذه الثقافة نكون قد هيأنا مناخاً جيداً للتوافق مع توجهات أجهزة المكافحة الرسمية، وزاد الاهتمام بكشف حالات الفساد وتقديمها للعدالة.

9- الفساد الذي نتحدث عنه ونركز عليه هو الفساد الخفي الذي يرتكب باسم المصلحة العامة، لأن هذا أخطر صور الفساد.
لقد فوجئت عندما ذكر لي أحد الإخوة أن هناك من المسئولين من يوجه الإدارات المعنية داخل الجهاز الذي يشرف عليه أن يحرصوا على قبول الكفاءات التي يرون أنها دون المتوسط لأن الموهوبين وأصحاب الكفاءات معروفون بكثرة الاحتجاج ويصعب التعامل معهم وتوجيههم، فهل هناك أخطر من هذا الفساد الذي تتراجع معه مظاهر الولاء للجهاز؟
إن صح وجود هذا فإن هذا المسؤول لا يدرك أن هذا التوجه يعتبر من خيانة الأمانة وخروج عن طاعة ولي الأمر المتمثلة في تحقيق مبدأ الجدارة في الاختيار للوظيفة العامة، وأن مثل هذه الممارسات أشد فتكاً بالمجتمع من أي جريمة.

10- عندما يتعامل المسؤول مع من حوله وفقاً لمظاهرهم وليس وفقاً لقدراتهم فإنه يهيئ بذلك بيئة خصبة للفساد، في الوقت الذي يرى أنه يكافحه!

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق