الأحد، 2 سبتمبر 2012

الي كل رموز الفساد في صندوق الضمان الاجتماعي الليبي



جريمة سرقة المال العام و موقف الشرع تجاه الاستيلاء على المال العام
         
1- دعت الشريعة الإسلامية إلى احترام المال العام، وحمايته، وحرمت الاعتداء عليه بجميع أشكال وصور الاعتداء، وجريمة السرقة من المال العام هي الجريمة الأكثر أهمية من بين الجرائم الواقعة على الأموال، وتنقسم
إلى قسمين:- القسم الأول: السرقة الحدية وهي:- السرقة المعاقب عليها حداً، وهي نوعان:-  النوع الأول:- سرقة صغرى، والنوع الثاني:- سرقة كبرى وتسمى " الحرابة"، وضابط التفرقة بينهما أن السرقة الصغرى يؤخذ فيها المال العام خفية؛أي بدون علم الدولة وبدون رضاها ،بينما في السرقة الكبرى "الحرابة " يؤخذ المال العام مغالبة؛ أي بعلم الدولة، لكن بدون رضاها.

 القسم الثاني: السرقة التعزيرية وهي:- السرقة المعاقب عليها تعزيراً ، وهي نوعان:-

النوع الأول:-هي كل سرقة للمال العام ذات حد لم تتوافر فيها شروط الحد ، أو درئ  فيها الحد للشبهة، ويستوي أن تكون سرقة صغرى أو سرقة كبرى.

النوع الثاني:-هي كل سرقة يؤخذ فيها المال العام دون استخفاء؛ أي بعلم المجني عليها الدولة،ودون رضاها، وبغير مغالبة ،ويدخل تحت هذا النوع الاختلاس والغصب والنهب.

2- لوصف جريمة السرقة من المال العام بأنها سرقة حدية سواءً كانت سرقة صغرى أم سرقة كبرى، فلا بد من توافر شروط في "المال العام" محل الجريمة ،حيث يشترط في المال المأخوذ خفية ما يشترط في المال المأخوذ حرابة، فيجب أن يكون المسروق مالاً منقولاً ،ومحرزاً، وأن يكون متقوماً ، وأن يبلغ نصاباً، وأن لا يكون للسارق فيه شبهة ملك ، ويسقط حد السرقة الصغرى بما يسقط به حد السرقة الكبرى.

3- يتفق الفقهان الشرعي والقانوني على أن جريمة السرقة من المال العام من السرقات التي يعاقب عليها تعزيراً، وليس حداً لتوافر سبب مسقط لحد السرقة، وهو سبب متعلق بالمسروق منه، كون السارق له شبهة ملك في المال العام باعتباره من العامة، والمال العام ملك لجميع المسلمين، وله أيضا شبهة في الحرز، وذلك يرفع عنه حد السرقة، ويعاقب تعزيراً.

4- أسبقية الشريعة الإسلامية في تجريم السرقة من المال العام، وتقريرها عقوبة حدِّ السرقة كعقوبة أصلية عند توافر جميع شروط الحد ّبالمساواة بين الخواصّ والعوام، والشريف والوضيع، فالجميع سواسية أمام أحكامها ولا مجال لمحاباة شخص على حساب شخص آخر، كما للشريعة الإسلامية السبق في تقرير سقوط حد السرقة على السارق من المال العام لشبهة الملك التي تدرأ عنه الحد، ولها السبق أيضاً في قبول توبة السارق إذا أعاد المال المسروق قبل انكشاف أمره، وأعلن توبته،

كما أن للسارق في الشريعة الإسلامية الحق أن يكون عضواً فاعلاً وصالحاً، ويتمتَّع بكامل حقوقه بعد أن ينال العقوبة المترتِّبة على سرقته، وبعد أن يعلن توبته

موقف الشرع تجاه الاستيلاء على المال العام

إن سرقة المال العام والاستيلاء عليه باية صورة من صوره هو ظلم وجور فاضح واضح للغير من الخلق والعباد .... فعلى سبيل المثال نجد الإنسان الذي أغرقت السيول بيته أو دمرته وشردت أطفاله بسبب عدم رصف الطرق العامة حسب المواصفات الهندسية ، لاسيما عدم الحرص على تصميم مجاري التصريف تحتها توفيرا للتكلفة ولجني مزيد من الأرباح للمقاول ، واستلام المهندس المسئول لهذا العمل من يد المقاول ، وتصديقه عليه دون مطابقته للمواصفات .... سيسوغ لكل من تضرر أن يأتي الله عز وجل يوم الحساب بمظلمته هذه ، وربما يكون في هدم منزله ما أدى إلى تغيير مسار حياته ومستقبل أطفاله إلى الضياع والإنحراف .....

حتى الخروف والثور الذي أصابته الحمى القلاعية بسبب عدم كفاية الميزانية في الوقاية والعلاج على سبيل المثال ، سيأتي بمظلمته يوم القيامة أمام ميزان العدل فهو لم يخلق للموت بالحمى القلاعية بادي ذي بدء ... وكذلك المزارع الفقير ، الذي زرع ولم يحصد لأن الجراد الصحراوي أكل نحصوله في الحقل بسبب عدم صلاحية وفعالية المبيدات سيأتي يبحث عن حقه يوم الحساب .. وهلم جرا .... وقد ثبت في صحيح مسلم عن ابي ذر رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما يحكى عن ربه عز وجل أنه قال: ((يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرما فلا تظالموا)) – إلى أن قال – ((يا عبادي إنما هي اعمالكم أحصيها عليكم ثم أوفيكم إياها ، فمن وجد خيرا فليحمد الله تبارك وتعالى ومن وجد غير ذلك فلا يلومن إلا نفسه)).
ويقول عز وجل : ((اليوم تجزى كل نفس بما كسبت لا ظلم اليوم إن الله سريع الحساب)) – آية 17 - غافر
ومعنى قوله عز وجل "إن الله سريع الحساب" أنه يحاسب الخلائق كلهم كما يحاسب نفسا واحدة.

وهناك من يبرر لنفسه قبول الهدايا والمنح والعطايا ولسان حاله يردد كالببغاء أو ربما كان يستعبط :" النبي قبـل الهـديـة" ..... "يسروا ولا تعسروا" ... "بشروا ولا تنفروا" .....
وفي الرد على البعض ممن يسوغ لنفسه قبول الهدايا ((الملغّمة)) وهي في حقيقتها رشـاوي ، أعطيت له بحكم منصبه للحصول على مـزايا وتسهيلات من مال الشعب (خزينة الدولة) فيما بعد تعادل اضعاف اضعافها.
فقد جاء عن أبي حمد الساعدي رضي الله عنه قال: استعمل النبي صلى الله عليه وسلم رجلا من الأزد يقال له : إبن اللتبية على الصدقة ، فلما قدم قال : هذا لكم وهذا أهدي إلي ، فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم على المنبر ، فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: أما بعد !!! فإني استعمل الرجل منكم على العمل مما ولاني الله فياتي ويقول: هذا لكم وهذا هدية أهديت الي ، أفلا جلس في بيت ابيه وامه حتى تاتيه هديته إن كان صادقا ؟ والله لا ياخذ أحد منكم شيئا بغير حقه إلا لقى الله تعالى يحمله يوم القيامة ، فلا أعرفن أحدا منكم لقى الله يحمل بعيرا له رغاء ، أو بقرة لها خوار ، أو شاة تيعر ، ثم رفع يديه عاليا حتى روي بياض ابطيه ، فقال: اللهم هل بلغت ؟ )) متفق عليه.
واليعار هو صوت الشاة ، والرغاء صوت البعير ، أما الخوار فهو صوت البقرة.

وهناك من يلتف (ويحسب نفسه ذكيا) على الشرع ، فيصادر دون حاجة أو مبرر وبما له من سلطات أراضي العامة من المواطنين ذات المواقع الاستراتيجية لبيعها بعد ذلك إلى مستثمرين وأثرياء محليين وأجانب في مزاد عام تم ترتيبه والتفاهم على إخراجه ومونتاجه مسبقا .... ويحصل منهم على عمولات بنسبة مئوية مجزية ، ويزعم أنه لم يظلم أحدا ، مبررا لنفسه ذلك بانه سيقوم بتعويض أصحاب الأرض الفقراء بأراضي أخرى في مناطق نائية أو غير استراتيجية ، وباسلوب من دقنو وافتل له ...........
وعن عدي بن عميرة رضي الله عنه ال:- سمعت رسول الله صلى اله عليه وسلم قال: ((من اقتطع حق امريء مسلم بيمينه ، فقد أوجب الله له النار وحرم عليه الجنة، فقال رجل : وإن كان شيئا يسيرا يارسول الله ؟ فقال: ((وإن كان قضيبا من أراك)) رواه مسلم .... ويقصد بقضيب الأراك المسواك.

كذلك وعن استغلال النفوذ في الاستيلاء على الأراضي فقد ورد عن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((من ظلم قيد شبر من الأرض طوقه من سبع أرضين)) متفق عليه.

وإلى سارق المال العام ، ممن علل نفسه بإمكان تغطية ذنوبه بكثرة الصلاة والصيام والزكاة والحج والصدقة وأعمال البر (رغم أن الحج والزكاة والصدقة وأعمال البر من المال الحرام لا تجزي صاحبها) .... فقد جاء عن ابي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:- ((أتدرون من المفلس؟ )) قالوا :- المفلس فينا من لا درهم له ولا متاع ، فقال :- ((إن المفلس من امتي من ياتي يوم القيامة بصلاة وصيام وزكاة ، ويأتي وقد شتم هذا ، وقذف هذا ، وأكل مال هذا ، وسفك دم هذا ، وضرب هذا ، فيعطى هذا من حسناته ، وهذا من حسناته فإن فنيت حسناته قبل ان يقضي ما عليه ، أخذ من خطاياهم فطرحت عليه ثم طرح في النار)) رواه مسلم.
فإذا كان هذا الحال لشخص عادي ، فكيف يكون حال إنسان قلدوه الأمانة فخانها وسرق وأكل مال وحـق 40 مليون نسمة هم تعداد سكان السودان الآن ؟ وعلى مثل ذلك يكون القياس في الدول الأخرى في سائر أنحاء الكرة الأرضية مسلمهم وكتابيهم وكافرهم لأن حرمة سرقة المال العام والإستيلاء عليه تسري على الجميع دون إستثناء.
وإذا كان البعض من محترفي التبرير والتزيين ، يذهبون إلى شبهة الحق في المال العام ، فإن تبريرهم مردود عليه بانه وعلى سبيل المثال ، فإن حق مواطن واحد في مال عام مقداره مليون دولار (مع الأخذ في الاعتبار أن عدد سكان السودان المواطنين يبلغ 40 مليون نسمة) فإن نصيبه كفرد من هذا المال العام يبلغ 0.025 دولار لاغير .... فكيف يبرر سارق المال العام لنفسه الاستيلاء على كامل المليون ؟؟؟؟

ومن طرائف ما يقوم به البعض (اللهم لا تجعلنا منهم) أنهم والنار على يسارهم والجنة عن يمينهم وميزان العدل الإلهي أمامهم وحيث يؤتى كتابه إما عن يمينه وإما عن شماله ... فإن هؤلاء البعض من ((الفالحين)) ، ((المحظوظين)) ، (( الشواطين)) ، ((الشاطرين)) عندما يقفون أمام ميزان العدل ، يمدون يدهم اليمنى ويخفون اليد اليسرى خلف ظهورهم ((شطارة كالعادة)) ، فإذا بالكتاب يطير ويقع في كفة يدهم اليسرى ، التي أخفوها خلف ظهورهم ثم يساق بهم إلى النار ، ومعهم ما سرقوه من أموال ترمى معهم في النار ويستغرق وصولهم إلى قاع جهنم 40 خريفا (40 سنة قمرية) ثم يطلب منهم أن يحملوا أموالهم هذه على ظهورهم ليخرجوها من النار ، تطهيرا لها ولأنفسهم (بشفاعة شهادة أن لا إله إلا الله وان محمدا رسول الله) ...

ولك أن تحسب المدة التي سيستغرقها هؤلاء في النار للخروج بهذه الأموال من قاع جهنم حتى السطح ، قياسا بان الوصول إلى القاع وسط الجمر والنار والشواظ واللهب وبفعل الجاذبية استغرق 40 سنة !!!!.... لربما يستغرق العودة الخروج على نفس الطريق 4000 سنة أو يزيد ، وذلك بحسب طبيعة وحجم المال العام الذي سرقه أو اعتدى عليه ، فمن سرق جملا رمي بهذا الجمل ورمي هو خلفه ، ثم يطلب منه حمله على راسه او عاتقيه حتى يخرج به ... وهكذا ... فمن سرق شيئا من بيت المال فهو يأتي به لا محالة في ذلك ولا مجال هناك كي يتمنى الحرامي على الله الأماني ..
وربما لن يكون المسلم الذي نطق الشهادتين موعودا بالأكل من شجرة الـزقوم . وقد لا يسقى من طينة الخبال عصارة اهل النار من امثال أبو جهل وأبي بن خلف .. ولكن الأمر لا يخلو. وعلى ((الفالح)) و ((الشيطان)) ، ((الشاطر)) يوم ينشد الحظ لنفسه أن يزن الأمور بميزان العقل ، لأن زوجته وأولاده وأرحامه واصهاره وأصدقائه الذين سرق وارتكب المحرمات وداس على حقوق الغير لأجلهم لن يكونوا إلى جانبه ، فلكل إمرئ منهم يومئذ شأن يغنيه.

ويقول الله عز وجل في محكم كتابه:- ((يوم لا ينفع الظالمين معذرتهم ولهم اللعنة ولهم سوء الدار)) آية 52 – غافر.
وعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: ضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم أو تبسم ، فقال صلى الله عليه وسلم :
- (( ألا تسألوني عن أي شيء ضحكت ؟))
قالوا :يارسول الله من اي شيء ضحكت؟ قال:
- ((عجبت من محاورة العبد ربه يوم القيامة يقول أي رب أليس وعدتني ان لا تظلمني؟ قال بلى ، فيقول فإني لا اقبل عليّ شاهدا إلا من نفسي ، فيقول الله تبارك وتعالى: أوليس كفى بي شهيدا وبالملائكة الكرام الكاتبين؟ قال فيردد هذا الكلام مرارا ، قال فيختم الله عز وجل على فيه وتتكلم أركانه بما كان يعمل ، فيقول بعدا لكن وسحقا ؛ عنكن كنت أجادل)) أخرجه مسلم والنسائي.

ومعنى الحديث الشريف أن العبد ؛ يحاول يوم الحساب أن يتنصل من ذنوبه بالإنكار، كما يفعل في الدنيا أمام غيره من البشر أو أمام القاضي في المحكمة ، ويبدأ محاولته بالتشكيك في شهادة وصحة ما كتبه الملائكة الرقباء في صحيفة أعماله ، رغم أن الله عز وجل يعلم جميع ما فعل ... ومع ذلك يقبل المولى عز وجل منه طلبه . وفي هذه اللحظة يخرس لسان العبد غصبا عنه وبقدرة الله عز وجل ، ويبدأ كل عضو من أعضاء جسده بحكي بالتفصيل الممل ما كان منه له وعليه. حتى أعضاؤه التناسلية تفضح له ما كان يفعل بها في الحرام . وهكذا تتكلم أيضا بقية أعضاء جسده ، فبشهد عليه سمعه وبصره وجلده ويداه ورجلاه وكتفه وظهره وصدره وبطنه .. إلخ . كل واحد منها يقول صنعنا وعملنا وفعلنا وأكلنا وشربنا وزورنا وسرقنا .. وبعد ان ينتهي السرد يطلق الله عز وجل لسانه ، فلا يلبث ان يخاطب العبد أعضاء جسده ويدعو عليهم ، ويقول لهم إنما كنت احاول ان أدافع وأغالط واتحجج من اجلكم حتى لا تتعرضوا للمحاسبة ولحريق النار وعذابها.

وعن هذا الموقف يقول الله عز وجل : (( اليوم نختم على أفواههم وتكلمنا أيديهم وتشهد أرجلهم بما كانوا يكسبون)) – آية 65 سورة ياسين
وكذلك يقول الله عز وجل : (( وما كنتم تستترون أن يشهد عليكم سمعكم ولا أبصاركم ولا جلودكم ولكن ظننتم ان الله لايعلم كثيرا مما تعملون)) – آية 22 سورة فصلت.
ومما يحكى عن السلف الصالح ان عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه كان ذات ليلة يراجع بعض أمور الرعية على ضوء سراج ، فدخل عليه أحد أشقائه. فالتفت إليه عمر وسأله عن حاجته ، فاخبره شقيقه أنه قدم إليه ليبحث معه في بعض الأمور التي تخص الأسرة . فبادر عمر بن عبد العزيز إلى السراج المشتعل فأطفاه ، وأخرج من صندوق إلى جواره سراجا آخر أشعله ، فسأله شقيقه عن السبب فقال له عمر بن عبد العزيز:-
- كان ذاك سراج تابع لبيت المال أراجع به امور الرعية ، ولأجل ذلك أطفأته حتى لا نتحدث في أمورنا الخاصة على حساب المال العام . أما السراج الذي أخرجته وأشعلته أمامك الان فهو مملوك لي اشتريته من مالي الخاص ......
وسبحان الله .. فقد ترك عمر بن عبد العزيز لأولاده بعد وفاته بضعة مئات من دنانير كان يوفرها لهم فأخذوها ودخلوا بها الأسواق فنمت تجارتهم بفضل البركة والحلال حتى أصبحوا بعد سنوات من أصحاب الملايين ... وفي المقابل شوهد بعض أبناء الأمراء من بني أمية يتسولون الناس في الأسواق بعد أن أضاعوا بالتبذير واللهو الذي إعتادوا عليه ملايين الدنانير التي تركها لهم أسلافهم من المال العام وحقوق الغير.
إذن هكذا كان السلف الصالح من أمثال عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه يفهم ويدرك محاذير ومخاطر التصرف في المال العام ... ولا بد أنه وأمثاله سيكونون حجة على غيرهم يوم القيامة ..
ومن يدعي من رجال أعمال أن التجارة شطارة ، وأن التجارة لا تسير أمورها إلا بالرشوة والربا ، ودفع العمولات والهدايا ، فإن هناك العديد من اثـرياء المسلمين الذين جنوا الملايين في زمانهم من التجارة الحلال ، دون أن يدفعوا عمولات أو رشاوي . ومنهم ثلاثة مبشرين بالجنة ، كانوا بالفعل وبمقاييس هذا الزمان مليارديرات هم : عثمان بن عفان ، الزبير بن العوام ، عبد الرحمن بن عوف ..... وكان رابعهم أبي بكر الصديق الذي كان تاجرا ميسورا قبل إسلامه ، وقبل توليه الخلافة .. وربما يكون هو الحاكم الوحيد من غير الرسل والأنبياء في تاريخ البشرية ، الذي قل ونقص ماله ، بعد توليه الحكم وليس العكس رضي الله عنهم أجمعين ..
ولا شك أن هؤلاء سيكونون أيضا حجة على تجار ورجال أعمال كثر .. بل وهناك تجار ورجال أعمال في زماننا الحاضر والماضي القريب ، فتح الله عليهم وعاشوا وماتوا أثرياء ، دون أن يخلطوا تجارتهم بحرام..... .. وكذلك هناك موظفون عموميون كثر عاشوا حياتهم شرفاء وماتوا رقيقي الحال ، ولكن نزيهي اليد ولا شك أنهم مرتاحون الآن في قبورهم وآخرتهم ؛ فطوبي لأمثال هؤلاء وكثر الله من امثالهم.

عـذاب القـبر للمسلم المذنب:
عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده والمهاجر من هجر ما نهى الله عنه" ..... وعن عذاب المسلم في قبره بسبب ذنوبه ، فقد ورد عذاب القبر في السنة النبوية المشرفة. وهو حقيقة لا مراء فيها ولا مفر أو مهرب منها.
وقد روى الإمام احمد أنه عن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل عليها وعندها إمراة من اليهود وهي تقول : (أشعرت أنكم تفتنون في قبوركم) ، فارتاع رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال : "إنما يفتن يهود" . قالت عائشة رضي الله عنها فلبثنا ليالي ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ألا إنكم تفتنون في قبوركم " .. وقالت عائشة رضي الله عنها : " فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد ذلك يستعيذ من عذاب القبر " .. رواه مسلم. .... قيل وإنما لبث صلى الله عليه وسلم ليال ، ثم قال بفتنة القبر بعد ان أوحى الله إليه بذلك.
وعن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: لما كان يوم خيبر ، أقبل نفر من اصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا:- فلان شهيد وفلان شهيد ، حتى مروا على رجل فقالوا:- فلان شهيد ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "كلا !! إني رايته في النار في بردة غالها أو عباءة" ..... رواه مسلم.

صعوبة رد المال العام المسروق:
من الصعوبة بمكان رد المال العام إلى اصحابه ، فالعملة تهبط قيمتها يوما عن يوم ، ولا يعرف أحد كم هي الأرباح التي جناها الرجل أو المرأة من وراء تشغيل واستثمار المسروق من المال العام . وهنا تكمن المشكلة ؛ ذلك أن من يسرق شخصا واحدا ، سيكون عليه إما رد المال إلى هذا الشخص أو ورثته ، أو انتظار مغبات مواجهته يوم القيامه أمام ميزان العدل الحق ، وقد يعرض على المجني عليه وقتها مميزات أخرى تغريه على العفو والتنازل ، فالله غفور رحيم وله وحده الحق وجميع خلقه أمامه سواء كأسنان المشط ....
أما من يسرق المال العام ولا يرده إلى خزينة الدولة فإن عليه بلا شك مواجهة شعب بأكمله يطالبه كل فرد فيه بحقه ؛ وربما امتد الحق إلى أجيال وراء اجيال ، تضررت من سرقة المال العام .... فهل يستحق المال العام كل هذا العناء ؟؟؟؟ هل أطال المال عمرا أو خلد بسببه بشرا أو مخلوقا؟؟؟ وكم هي عدد السنوات التي يعيشها في الدنيا ولو طال به الأمد ؟؟؟
من كان يبرر لنفسه السرقة بأن الآخرين يفعلون ذلك إن وجدوا وأتيحت لهم الفرصة ، فهو تبرير واه أجوف مردود عليه. فأخطاء الآخرين لا تبرر أخطاءنا ، وهناك الكثيرون عاشوا وماتوا نزيهي اليد شرفاء ..... ومقولة ((الموت وسط الجماعة عرس)) كيد من مكائد الشيطان ، فالحساب والنار ليس فيهما جماعة ولا يجوز فهم طبيعة اليوم الاخر بمفهوم الحياة الدنيا ، ومقاييسها المبسطة مادية كانت أو نفسية .....
ومن كان يبرر سرقته للمال العام بأنه يحاول تأمين مستقبله وضمان مستقبل أولاده وزوجته من بعده ، فهذا هو العذر الأقبح من الذنب ، وهو مردود عليه بأكثر من قول ، فهو لم بخلقهم وليس برازقهم وليس بمحييهم ولا مميتهم ولا مسئولا عن أرزاقهم ، ومن كان يرزق الجنين وهو في بطن أمه لقادر على رزقه وهو في رحاب الأرض الواسعة .... هو بالفعل عائلهم شرعا بطلب الرزق لنفسه والسعي إليه بالحلال توطئة للنفقة عليهم منه ، ولكن بما يرضي الله ويحفظ الفرد من مغبة الوقوع في المهالك .. وربما لو استشار الوالد أبنائه وزوجته وخيرهم بين الخير والشر ، لاختاروا لأبيهم ولأنفسهم طريق الخير والرزق الحلال ، ولو كان محفوفا بالحرمان في الدنيا ، وما أتفه أن يسرق الإنسان ويجور ويظلم خلق الله ، من أجل خاطر ان يلهو ويلعب وياكل ويشرب في بطنه ويلبس على جلده الذي سيشهد عليه !!....
كما لا يحق لأحد السرقة بحجة فعل الخير بالمال المسروق ، وإن كان المجني عليه حرامي أو كانت الدولة كافرة او مارقة لا تنتهج كتاب الله عز وجل وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم ....
يقول الله عز وجل : ((لينفق ذو سعة من سعته ومن قدر عليه رزقه فلينفق مما آتاه الله ولا يكلف الله نفسا إلا ما آتاها)) آية 7 – سورة الطلاق ....
وما على الذين وقاهم الله شر مد اليد إلى المال العام من العامة والخاصة ، إلا أن يحمدوا الله ويشكروه على هذه النعمة . ولا يوجد سارق يستحق أن نحسده على ارتكابه جريمة السرقة ، حتى لو ألبسته سرقته هذه الحرير وأركبته أبوللو 11 لتحط به على سطح القمر..... فالموت قريب وهو لا بد آت طال الزمن أو قصر . وعذا ب القبر شنيع ونار جهنم أحرّ والسنوات فيها طويلة مديدة وبطيئة ... والله عز وجل صبور...... واليوم لديه عز وجل بألف سنة مما نعد ونحسب.
اللهم أغننا بحلالك عن حرامك .... ربنا ولا تجعل الدنيا أكبر همنا ولا مبلغ علمنا ولا إلى النار مصيرنا .... اللهم أقسم لنا من خشيتك وتقواك ما تحب وترضى إنك انت الوهاب .. وصلى الله وسلم على أفضل الخلق محمد بن عبد الله خاتم الأنبياء والمرسلين ....آمين.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق